٢٠‏/٠٩‏/٢٠٠٨

دعوة افطار


هم لا يعرفون من نور سوى صوته...مع ذلك يصرون على دعوته للافطار......صديقه مازال يلح عليه ليلبي دعوتهم......مشاعر الخوف والقلق كانت مسيطرة على كيانه لفترة....يخشى كثيرا ان يكشف وهج نورهم ما نبت يوما في الظلام.....كيف يتجه وحيدا لقرية لا يعرفها ليخالط من لا يعرفوه....آمن مسبقا انه لاشيء يدوم....كل العلاقات مصيرها العدم.....لماذا يتكلف عناء البداية لما ينتهي.......ان كان صديقه-مدخله لهم-قد فارقه لسفر....فكيف يصل هو أهله...كيف يحادثهم بشموخ وثقة وهو يعلم بدايته معه......

في طريقه اليهم كان مطمئنا راضيا بكل ما وصل له......سعيد انه استطاع ان يقهر ظلمه لمحبة ورحمة.....ايامه معه كانت ترافقه دربه وخطواته....شعور بالوحدة والوصل تملكه....يستشعر وصله وان تباعدت المسافات....يجده قبل ان يحتاجه....يراه وينفذ اليه وان احجبت الرؤى....لكنه يتحرك وسط كل هذا وحيدا بجسده بينهم....كلما دنا من قريته ازداد يقينا هدوءا وأمان.....

فور مصافحته لوالدة صديقه ادرك صلة من عمر الزمان......معلقة به وتجذبه لها.....ايقن ان بعض علاقاته تنمو فيه دون ان يدركها....هم سكنوه مع اول انفاسه دون علمه وبرضاه......حديث نور مع والدته لم يكن لينتهي عند نقطة.....شوق وحنين وسؤال عن الاحوال بلهفة....رغبة ملحة منها لتقر عينها بسعادة نور ورضاه......

صلاة نور للعصر في غرفة صديقه كانت شيئا اخر...ربما لم يصلي بعمره صلاة بهكذا تركيز واستحضار....يستشعر لاول مرة استماع الله لكلماته...يستحضر رؤية الله له وهو يصلي بغرفته....يفكر مليا في معنى ذلك......ومضات من ماضيه كانت تضيء نفسه كل لحظة....كلما تذكر صديقه ازداد خبوتا...كيف صيرت الايام خوفه وقلقله لمحبة وثقة لا يدركها الى الان.......ظلام غرفته ذكره بظلمات عاشها من قبل....ايقن ان ظلم الماضي بظلامه اصبح نورا يضيء في قلوب شتى.....

افطار نور معهم لاتصفه الكلمات.....كل ما يحيطه يقطر محبة .....كان كل همه في صلاة التراويح ان يتفرس كل وجه وكل همهمة...لايعلم عن ماذا كان يبحث.....ربما فضول ليتعرف على بيئة صديقه...او رغبة ملحة في اكتشاف من آذاه يوما وكان سببا في لقائه به.......أدرك حينها كم كان قاسيا عليه.....دائما ما كان يتهمه بالسذاجة...الطيبة.....احيانا اخرى يلومه لسوء تعبيره او قلة لباقته.....الان فقط ادرك ان صديقه مع كل ما عاشه قد فاقه ثباتا ولباقة وخبرة.....

دعوة للمبيت من والدته ادخلت في قلبه شعور بالامان والمحبة لا يوصف......ايقن الان انه يمتلك منزلا اخر....وبيتا اخر ....لقلب اخر ينتظره..... الان ادرك معنى تبسمه له في رؤى كثيرة له ...في درب عودته لم يؤمن نور انها كانت دعوة افطار فقط......ما بذره يوما كان للحياة...لم يكن للعدم....الخير لا يفنى ولا يعدم....هي لم تكن دعوة بقدر ما كانت بشرى قبول ورضا ....صوت منير اثر ان يرافقه درب عودته...شيء ما جعل كلماته لا تكف عن التكرار بداخله.....

بنتولد...طاهرين
بنتولد...شبعانين
بنتولد...متلهفين على صدر ا م وكتف اب مرتاحين
بنتولد...دافيين
بنتولد...مش خايفين
بنتولد...مش عارفين واسمنا في درب الحياة بني ادمين
بنتولد...دافيانين
بنتولد...صافيين
بنتولد...صادقين...كما زرعة خضرة في ارض طين
زرعة حصادها حصاد عمر السنين
الحلو ...والمر...والطيب والحزين....
نكبر وتكبر فينا اعمار السنين....
ونكره السنين
وتكرهنا السنين...
ونجرح البشر...
ونجرح نفسنا مع اننااااا
بنتولد...طاهرين
بنتولد...شبعاني
نعود لنتواصل السبت18/10
عيدكم مبارك مقدما
تحياتي

١٣‏/٠٩‏/٢٠٠٨

عمر

التعاطف هو أول ماسيطر علي عندما رأيت عمر......فتى يعاني من اعاقة ذهنية تجعل أصغر حركة هما كبيرا وعملا عظيما......يداه لا تكفان عن الاهتزاز.....خطواته تشعرك انه يحرك أركان كون بأكمله...يحمل أطرافه حملا ليخطو بها خطوة او خطوتين .....تناسق حركاته يساوي العدم....كل مفصل في جسده يتحرك عكس الاخر....أشفق عليه كثيرا ان أراد ان يدير وجهه أو يمد يده لسلام او تحية.....


ضحكة عمر كانت اول ما ادركت منه....."نكتة " ألقاها شيخ جعلت قهقهته تطغى على الاصوات كلها....ضحكة عمر كانت رد فعل لابتساماتنا....اكثر ما لفت انتباهي هو اصراره على مصافحة الشيخ...معظم من اعرف يصافحه ويساله عن احواله....ليجيبهم بابتسامة وضحكات تتفلت بعد جهد عظيم.......وهمهمة تنتظرها برهة حتى تولد تحت اضطراب الحركة والتشنج......


عمر يصلي التراويح في مسجد يقرأ فيه جزء كل ليلة...هو لايستطيع ان ينهض من السجود ليأتي بركعة ثانية....يرفع يداه ليتلمس يد والده...حتى اذا ما قبضها بشدة يجذبه والده لأعلى آتيا بركعة اخرى.........مشاعر التعاطف لم يعد لها مكان بقلبي له بعد الان.....


فتى ضمن الجنة بابتلائه يسبقني بعبادته......كم ركعة صلاها عمر واعاقتني عنها نفسي وارادتي؟؟ كم خطوة خطاها عمر الى المسجد واعاقني عنها عقلي وقدرتي...... الان ادركت حقيقة الاشياء....نعمتي قد تكون اعاقة واعاقته قد تكون نعمة........الان آمنت اكثر بالخبير.... الحكيم.... الرحيم ....العليم....... الان ادركت معانيها.......

عمر اصبح ملهما لي ....كم احترم والده واقدره....لم يترك ابنه لينبت في الظلام بين التعاطف والازدراء.....لم يؤده حيا تحت رمال الخجل والازدراء.....احياه وبعثه..... واخذ بيده لصلاة او درس علم ....والده اصبح عقله وادراكه.....اصبح ملهما لكل من يمر بابتلائه.....يجذب ولده للاعلى وهو يعلم انه للجنة....ولن تفرق كثيرا عبادته من عدمها....يصبر على ما ابتلي ويحقق الأفضل لولده...كم من سوي صاحب عقل وارادة في انتظار تلك اليد لتجذبه لأعلى.........ربما احتجتها يوما و لم اجدها............




عمر...... بكم خطوة تسبقني للجنة؟؟؟؟