٢٢‏/٠١‏/٢٠٠٩

أيام

خمسة اعوام مضت ومازال يصلي في نفس المكان,الاستاذ عصام مازال يصلي كل جمعة في الصف الثاني الى اليسار خلف النافذة الثالثة,نور كان يعتقد ان خمسة اعوام ستترك اثرا واضحا يراه ويستشعره على حياة من حوله,ليفاجئ وكأنه غادر الى وطنه منذ اسبوع فقط , ما جد على أ.استاذ عصام هو طفل في الرابعة يتكأ على فخذه الايسر ويقلده في كل حركاته....


الاستاذ سيد ظلام مازال محافظا على مكانه ايضا,في منتصف الصف الاول خلف الامام مباشرة,نور قبل خمسة أعوام كان يتمنى ان يؤذن أ.سيد ظلام للجمعة...أذانه يزرع في النفس خبوتا وخشية لا تصفها الكلمات,صوته كان نبع روحاني لاينضب,ينهل نور منه بمجرد استرجاع صوته على مدى اسبوع كامل,نور مهما اتجه مبكرا وجده يسبقه وفي نفس مكانه المعتاد,خمسة اعوام ومازال أ.سيد ظلام يطيل دعاءه وأذكاره بعد الصلاة,حتى اذا ما تمكن من القبلة وقف وصلى,يتقدم قدر استطاعته لتستقر قدماه على بداية امتداد القبلة,نور الى الان مازال يستمتع بمشاهدة صلاة أ.سيد ظلام....

نور مازال يحافظ على "مسافة خاصة" لنفسه...يعلم وجودهم من حوله ,لكنه يصر على ان لاتلتقي الأعين,يسمح لنفسه ولهم بمجال خاص معه هو فقط......هو وحده جل شانه يسمع اقل همهمة...يعلم كل ما يختلج صدورهم...التقاء الاعين يعكر احيانا ذاك الصفو....

إمام المسجد بعد خمسة اعوام اصبح اكثر ثباتا وخبرة, قبل خمسة اعوام كان يتلعثم كثيرا,مازال يقرا من ورقة صغيرة يبعدها عنه بامتداد يده,مازال اعتقاد نور انه يعاني من طول نظر.....قبل خمسة اعوام كان يقفز سهوا عن بعض سطور خطبته غير مهتما بالمعنى...الآن اصبح اكثر تمكنا واصبحت تلاوته اكثر جمالا....

نور اكتشف بالامس ان والده توقف عن التدخين منذ عام مضى, كم كان يضجر من رائحة دخانه,لكنه مع ذلك لم يلحظ توقف والده عن التدخين....نور يعتقد ان الفجوة تتسع والاهتمام اصبح رمزيا متكلفا.....

الفارق الوحيد منذ خمسة اعوام ان نور فقد مكانه في الصف الاول الى اليمين من أ.سيد ظلام,لم يعد يتنافس على التبكير للجمعة...لم يعد يهتم بقراءة الكهف ونصف البقرة,منذ خمسة اعوام كان يشارك والدته سورة البقرة,لكل منهما نصف,اصبح الان يكتفي باي مكان يتاح له...خمسة اعوام تغيرت فيها كثير من ثوابته وقيمه...ويقينا ايمانه...

أيام تطوى بنفس الصور والمشاهد...لنفوس تتغير وثوابت تتبدل.....

٠٣‏/٠١‏/٢٠٠٩

حائط رابع

بناء خشبة المسرح يتكون من ثلاثة حوائط , تحمل من الديكور والألوان ما يجعل الحضور والممثل يعيشان الحدث والشخصية, الممثل الناجح هو القادر على تصور وجود "حائط رابع" يعزله عن همسات الحضور,حائط شفاف يسمح لهم بأن يسمعوا صوته ويتابعوا حركته, لكن يبقيه هو "في معزل" عن ردود أفعالهم, ليعيش الشخصية بكل انفعالاتها وسكناتها....
البعض يعتقد ان حياة البشر مسرحية كبرى, يعيش كل منا في شخصية خاصة به لها ملامحها وطباعها,بعضنا تسكنه الأحلام لشخصية يتمنى أن يعيشها, فيرسم اطارها ويحدد لونها,يتصور ردود افعالها وانفعالاتها,حتى اذا ما تملكته الشخصية تماما ,أخذ يقارن حاله بحالها, ينظر ما ينقصه ليتقمصها,فيضفي كثيرا على نفسه وذاته,يبدأ بتغيير بعض عاداته ومعاملاته, يضع أهدافا ويؤلف سيناريو خاص بشخصيته, لكنه فور أن يعامل البشر ويحتك بهم,يكتشف أنها ليست أكثر من أحلام تسكنه.....
جمهور عرضه من عائلة واصدقاء وحتى احداث تتغير عليه لن يسمحوا بميلاد شخصيته بهذه السهولة, نظرة مختلفة من صديق لتغير حاله....أو ردة فعل باندهاش وتعجب لما صاره تنسيه ما عاشه من احلام..... حدث جلل بحياته أو تغير سريع لما اعتاده قد تتطاير به أماله وطموحاته....بعض من سلبية الحضور قد تجد طريقا لنفسه.....شكوى مؤلمة من صديق او فضفضة ملحة من والدته قد تنثر رماد شخصيته في الهواء....مايسمعه من انجازاتهم واهدافهم تجعله يجذب لحياتهم وينسى مارسمه لذاته....احيانا يعايش تجربة سلبية قاسية لاحدهم يتقمص كل مافيها من احداث....فيلتهي عن "دوره" الجديد.... تتخبط اراؤه وتعجز كلماته ثم يعود لسابق عهده يجذبه كل شيء.... يشتته كل امر وبلا احلام...
كل ما يحتاجه هو "حائط رابع" شفاف...يحيط به من كل اتجاه... حائط يسمح له بان يسمعهم ويسمعوه...يدرك كل امورهم واحوالهم لكن دون ان يهتم بها او يعيشها معهم ....يعزل كيانه وذاته عنهم جميعا لكنه يخالطهم .....يعيش احلامهم معهم لكن دون ان ينجذب لحياتهم .... يرهف السمع لانات احبابه لكنه لا يعيشها ...يستمتع بانجازاتهم لكنها لاتشتته عن اهدافه..... تغير مفاجىء لاحداث حياته تعني ان يعيد ترتيب اوراقه.....قد يقدم فصلا من حياته على فصل اخر ...لكنه لا يمزق الاثنين...
حائط رابع يجعله تحت السمع والنظر...لكن بمعايشة وتقمص اكبر لاحلامه واهدافه..... بمعزل عن كل ما يشتته وبتواصل مع كل من يحب