١٤‏/١١‏/٢٠١٠

غائب

أبدا لم تكن حاضرا, لا عجب اننا جميعا اتفقنا اننا لا نراك, نسمع صوتك ونرى ظلك وندرك تواجدك, لكننا لا نراك, ننظر باتجاهك لكن نصر ان لا تلتقي اعيننا ابدا ,حتى انني اعلم عدد حبات الترتر المكونة للفظ الجلالة فوق مضجعك, اعلم عددها وصفوفها وتقسيماتها, لكنني لم اكن اعلم مصدر الصفير في مخرج كلماتك....

هي حبة صفراء تقع على العامود الاول رأسيا في الصف الثاني عشر أفقيا ,كانت تتدلى بانحناءة رقيقة باتجاه الضلع الايمن للاطار الخارجي للفظ الجلالة المعلق فوق مضجعك, كنت اراقبها برقة بالغة منتظرا اياك لتنهي حديثك, كادت ان تفلت من خيطها فتسقط الى اسفل الاطار, لكن حبة خرز خضراء شفافة كانت تمنعها السقوط, صفير كلماتك اثار انتباهي كثيرا, لكن مصير حبة الترتر الصفراء كان يشغلني ,عندما اخبرتني انك ستزور طبيب الاسنان ذلك المساء, ادركت انك بدات خلع اسنانك الامامية, باختفاء الصفير توقعت انك قد ركبت غيرها دائمة ثابتة......

زهرة حمراء يتفرع منها وريقات صغيرة بديعة الترتيب والتماثل على جانبي الزهرة, مكونة من مئة وخمس عشر حبة ترتر, اسفلها يتوسط لفظ الجلالة بقية اللوحة,الحرف الواحد يتكون من خمس اعمدة راسية وخمسة عشر صفا افقيا,يبدأ كل حرف بحبة واحدة في العامود الراسي الاول, تحذف تدريجيا في الثاني ثم تحذف حبتين في الثالث وهكذا حتى الخامس ,فتكتسب بداية الحرف ميلا الى اسفل جميل, لم استطع ان احصي حبات لفظ الجلالة لقلة حديثنا وانعدام ما يجمعنا سويا,لكنني اذكر ان كل حبة ترتر صفراء ثبتت بخرزة خضراء تمنعها السقوط,جمعت الحبات على ليل مخملي يكسبها رونقا وفخامة,اطار ذهبي ضخم محفور باتقان ودقة يجمع بين حبات الترتر ويحمل لوحا زجاجيا يحفظها من التلف والاتراب......


لماذا يرتبك كلانا اذا التقت اعيننا, ماذا يكسر بداخلنا اذا شاهدنا ملامح وجهك وانفعالاتك, هي تقسم لي انها لم تعد تعلم شكلك كيف اصبح ,عندما اخبرتني ان بنطالك اصبح يتارجح على خصرك من اثر السكري, تساءلت كيف اصبح وجهك الان, استرقت النظر الى وجهك مرتين اثناء غفوتك, وايضا ارتبكت عيناي ورحلت عن تقاسيم وجهك دون رجعة.....

دائما ما كنا نتحدث عنك بضمير الغائب"هو"....هو قال, هو فعل, هو صاح, ابدا لم يكن اهتمامك ولا فعلك او مبادرتك حاضرة,ابدا لم تكن متواجدا....هالني اثر الزمان على قسمات وجهك مؤخرا....ذلك ان تقاسيمك توحي بوهن وضعف ممزوج بكبر وجبروت وغضب , لكن صوتك لا يظهر سوى ذلك الجبروت والكبر وكأن الزمان لا يتعاقب عليك,
ابدا لم تكن حاضرا,غائبا كنت في كل امرك,لم ارى ملامحك منذ اعوام لا اعلم كيف تنحني قسمات وجهك معبرة عن حزن او فرح او غضب كل ما ادركه صوتك ومكان تواجدك المبهم حيث انظر باتجاهك,ثم نتحدث جميعا عنك وبحضورك "بضمير غائب"...
"هو" سكنك فكنته.....