١٨‏/١٠‏/٢٠٠٨

أنفاسهم

عندما علمت والدتي بمرض جدتي لم تتمالك نفسها.....اتصالات واسئلة بلهفة وشوق عن حالتها...احيانا كثيرة كانت لا تتمالك دموعها....تجهش بالبكاء بعد صبر طويل ومحاولات مضنية لتخفي أي خوف أو حزن عني....نادرا ما أدمعت مقلتيها أمامي....هي تحتويني بقوة وشموخ....

حقيقة تعجبت لقلقها وخوفها....في اجازات والدتي الصيفية بمصر قد لا تزور جدتي اكثر من مرتين فقط....مرة فور وصولها واخرى عند سفرها.....كلما تصورت حياتها بدون جدتي لا أجد اختلافا كبيرا....ستفتقد والدتي زيارتين فقط..... قد لا تستحق زيارتين كل هذا الاحتراق والخوف.....الان تخشى والدتي زنين هاتفها....كلما اتصلت بها لاي سبب يكون صوتها في البداية مضطربا يسكنه الفزع.....رنين هاتفها يسلبها روحها في كل مرة.....

في عامي الجامعي الاول بمصر...وبعد سفر والدتي للعمل....كنت افتقد الكثير.....أحيانا كثيرة لم استطع ان احدد ما أفتقده....كل صباح يتملكني شعور بالخواء النفسي رهيب....أحاول ان اقضي عليه بأي أفكار ايجابية....او ان اتجاهله باي عمل يسعدني....كنت افتقد شعورا بالامان والاستقرار لا ادرك سببه.....كل ما ادركته أنه علي ان اغادر منزلي بسرعة...بعد خطوتين فقط من عتبة منزلي....اجد انني اصبحت اكثر استقرارا وامنا....الان اصبحت اغادر منزلي صباحا بعشرة دقائق فقط

أيامي مع والدتي كانت تبدا بحضن دافىء....وبقبلتين على وجنتي....كنت اضمن استقرارا وامنا لا ينضب طوال يوم مدرسي...."صباح الخير"كلمتين اعتدت سماعهما من والدتي كل صباح...لم انتظرهما يوما....وربما لم اشعر بهما حينها....لكني لم اعتقد اني قد افقتدهما هكذا...أو انهما تاصلا في نفسي بهذا العمق......

عندما حاولت ان اذكر والدتي بسنة الله في كونه وانها في النهاية اقدار نلاقيها......جاءني جوابها يلخص كل شيء...."يابني محتاجة وجودها".....الان ادركت الكثير......

بعض من نعرف لا نحتاجهم لينجزوا لنا شيئا بالحياة او ليحملوا بعض مسؤولياتنا ؟؟؟؟؟لا نحتاجهم لاننا ضعفاء او لانهم سبب في قوتنا....لا يربطنا بهم زيارتين كل صيف او كلمتين كل صباح...وجودهم ومعرفتنا بوجودهم يجعل عالمنا اكثر امانا ودفئا..... بعض البشر يكون كل عطاؤهم بوجودهم....مجرد وجودهم بحياتنا يعطينا الكثير...تستوحش الحياة بغيابهم....عرشهم بنفوسنا يمد اوصالنا راحة وامنا...انفساهم سبب لحياتهم وعبقها قرة عين لنا....

أحتاج أنفاسهم فقط......






هناك ٧ تعليقات:

Abd Al-Rahman يقول...

صديقى العزيز جدا
اولا عودا حميدا للتدوين ، والحمد لله على انتهاء فترة الاختبارات على خير ....
موضوعك أثر فى بشدة .. وخصوصا اننى فقدت شخصا غالى جدا على نفسى ... لم أعلم أنه كذلك الا عندما رأيته وهو ممدد وقد فارق الحياة ... أحيانا عدم توقعنا موت أحبائنا وخصوصا عندما يكونوا فى سن الشباب يجعلنا لا نشعر بقيمتهم ... الغربة هى الاختبار المصغر للموت وفراق الأحبة لكنها تختلف فى إمكانية التلاقى ثانية ... أعتقد أننا لا بد أن نتفكر قليلا فى قيمة آبائنا وأمهاتنا وأصدقائنا وأحبائنا وهم على قيد الحياة قبل أن يأتى اليوم الذى نتمنى فيه لو كنا عرفناهم أكثر .... نريد أن تتلاقى أنفاسنا مع أنفاسهم دوما ... ولا تبقى مجرد أنفاس ...
حفظ الله لك أحبتك صديقى
تحياتى

Mero.. يقول...

جميل..
كلمات والدتك أيضا جميلة

blackcairorose يقول...

وربما أيضا لأنهن الوحيدات ـ الأمهات ـ الذين نعلم أن حبهن لنا غير مشروط وبدون مقابل وحتى بافتراض أننا لا نبادلهن حبا بحب

أسألنى عن الاحساس بفقدان الأم

emad.algendy يقول...

عبدالرحمن
هذا ما افعله الان
احاول انا استفيد من كل لحظة معهم هنا بالدنيا
تحياتي لاثرائك

**********
ميرو
شكرا

************
blackcairorose

ربما لان حبهن حقا بدون مقابل
اعتقد ان الدعاء افضل وسيلة للتواصل
تحياتي لمرورك

جسر الى الحياة يقول...

عندك حق فعلا حاجتنا احيانا لبعض الاشخاص فى حياتنا هى وجودهم فى الحياة فقط لعلنا نحس بالامان لمجرد معرفة انهم متواجدين ولم يصبحوا ذكرى
اعلم جيدا شعورها انا نفسى تواترت على تجارب كثيرة من هذا النوع من احساس امان بوجود اشخاص معينين فى الحياة وليس من المهم ان تترجم حاجتنا هذه الى اشياء مادية ملموسة يكفى انها تكون مشاعر واحاسيس فقط كاننا نثبت هويتنا بتواجدهم فى الحياة
ادام الله عليك كل غالى على قلبك وقلب والدتك العزيزة ودمت بخير ومودة

اسامة يس يقول...

ياااااااه .. ما اصعب ما نحاول اخفاءه عن اعماقنا.. ما نحاول ان نكتمه كي لا يظهر امام اعينا،ولحظات الفقد كم هي صعبة ... قاتلة.,.
شجيه هي سطورك حزينة دافئة مؤثرة...

صدقت نحن نستمد القوة من هؤلاء نشعر بالأمن بمجرد تواجدهم...

دمت بكل ود..
خالص تحياتي...

emad.algendy يقول...

جسر الى الحياة
سعيد بزيارتك
"كانننا نثبت هويتنا بوجودهم"
تحياتي لاثرائك
دمت بخير


اسامة
دمت بخير تحياتي لمرورك