٠٥‏/٠٧‏/٢٠٠٩

وقف (1)

اتجهت انا ووالدتي صباحا لدار"تراحم" فور ان راتنا خالتي , ابتسمت وبادرتنا بصوت عال:
-والله مش ناسية...
-يعني هتعقلي وترجعي لبيتك...
-اللي بنا عشرة عمر , انا بفك عن نفسي شوية...والله حبيت الناس هنا كلهم اخواتي.. انا قولت اكسب صاحب الدار ثواب

هذه عادة خالتي, تلجا لدار" تراحم" كل فترة تقول انها تكسر حالة الملل والرتابة "تراحم" هي احدى مؤسسات "النساء الغاضبات" , ففي مجتمعي اوقفنا بعض الدور للنساء اللتي هجرن او طلقن او ابتعدن عن اسرهن, محاولة للتخفيف عنهن واملا في اصلاح الامور , خالتي تستفيد من هذه الفرصة لتتحرر من بعض التزاماتها وواجباتها الاسرية, لتعود لبيتها من جديد اكثر نضارة وحياة ...

الليلة عرس اختي علينا ان ننجز الكثير...بعد ان ودعنا خالتي اتجهنا "لمؤسسة زواج" اظهرت والدتي وثيقة زواج اختي وموعد زفافها , لنستلم فورا حليا ذهبية زينة لاختي في عرسها , ففي مجتمعي نوقف الكثير من الذهب والحلي على متوسطي الدخل ممن لا يستطيعون شراءها... عندما شكرت والدتي الموظف المسؤول اجابها بانكسار تام:
-عسى ان يقبل منا....

خرجنا من مؤسسة زواج الى" دار اطايب" فور ان رآنا الموظف المسؤول بادرنا بابتسامة وهنأنا لزواج اختي, تأكد من عنوان منزلنا, ثم سألنا عن وقت التسليم الذي نفضله للطعام والمشروبات , ففي مجتمعي اوقفنا"مؤسسسة المناسبات" لتقوم بتجهيز الولائم في الافراح والاتراح , كما تعير القدور والاواني وايضا تنصب الموائد الرمضانية للمحتاجين وعابري السبيل...

فور ان خرجنا من دار "اطايب" لمحت سيارة عمي, صحت باعلى صوتي فتوقف, بادر بنقل اكياس الفواكه الى المقعد لخلفي ليتسع مكان لوالدتي, بينما كنت اساعده في نقل اكياسه , نظر الي مبتسما:
-هذه ميزة ان تكون عابر سبيل.....
ففي مجتمعي , اذا سافرت لاي مدينة اخرى غير مدينتك وليست في محيطها, لك ان تستفيد من بساتينها الموقوفة على عابري السبيل . كل ما عليك ان تظهر بطاقتك الشخصية او ما يثبت محل اقامتك, لتتمتع بضيافة خمس نجوم بفنادق ومطاعم تابعة لمؤسسات ضيافة...هكذا نسميها, مؤسسات كلها موقوفة على ضيافة عابري السبيل , بامكانك ان تحجز باي فندق موقوف على الضيافة باستخدام حسابك الوقفي الالكتروني....في مجتمعي يكون سفرك متعة مجانية متصلة....

في عودتنا للمنزل قابلنا جارتنا التي كانت عائدة من "نقطة الحليب" حيث رزقت بمولود منذ اسابيع, اوقفنا ما سميناه نقطة الحليب على الامهات اللاتي يرضعن اولادهن , يقدم لهن كافة احتياجات الرضاعة بداية من الحليب والاعشاب الطبيعية , حتى الاستشارات الطبية والرضاعة الصناعية....


بدات مراسم العرس بمنتهى البساطة والسلاسة ,الطعام في وقته تزينت اختي بحليها , وصل بعض ضيوفنا متاخرين لسفرهم انقضت الليلة دون ان نهتم لاي شيء, نشعر بالامتنان لكل من يحيطنا ...البركة تغمرنا....

اشعر بالاسى تجاه صديقي , ففي وطنه مازالت الحكومة او الدولة تدير كل شيء, مازالوا يتعامولن بالجنيه والقرش بفردية وانانية مطلقة, يروي لنا جدي اننا كنا كذلك , حكومتنا كانت تسير الأمور وفق خططها الخاصة بينما يتكيف الشعب وفق واقعه وما يعيشه, ما قدمته الدولة لشعبها كان عدما , اخبرني جدي ان التعليم الحكومي كان شكليا فقط , ادعت الحكومة انها قدمت تعليما مجانية , بينما اقتصر حقيقة على اداء الاختبارات في المدارس او الجامعات الحكومية, بينما يتعلم الطلبة تعليما خصوصيا - هكذا كانو يسمونه- بمبالغ طائلة...المواصلات كان منها ما ينتمي للقطاع العام واخرى خاصة تفوقها رفاهية وانسانية.. الوظيفة الحكومية كانت عبئا على اي مواطن لذا كان العمل الخاص مصدر الدخل الرئيسي ...كل شيء كان موزايا تماما لما هو حكومي لكن بفردية وانانية مطلقة...

ما حدث ان شعب وطني لجا لما يسمى" الوقف " البداية كانت ببناء المساجد ثم دور الايتام ومستشفيات خيرية من الشعب لكن تحت ادارة الدولة.... تعطلت فائدتها وامتد شيء من الفساد اليها كونها تحت ادارة الدولة , استطعنا مع الايام ان نجعلها تحت ادارتنا نحن..... نحن نتصرف بادارتها كيف نشاء , استطعنا ان نقر قانونا يحرر اوقافنا من ادارة الدولة... لم نعد نسمع عن" وزارة الاوقاف" او وزيرها شيئا انتهى دورهم... يخبرني جدي ان وزارة مثل التضامن الاجتماعي- هكذا كانوا يسمونها- سقطت ايضا . ظهرت قيمة الوقف وفاعليته بسرعة البرق بعد تحريره من هيمنة الدولة , تكاتف شعب وطني بصورة جماعية, كل يقدم مالديه بثقة مطلقة .. اتسعت مجالات الاوقاف لتشمل كل شيء بداية من المساجد الى المدارس والمستشفيات حتى رصف الطرق والضيافة والزواج...

لم تجد حكومتنا ما تقدمه , اقتصرت على العلاقات الخارجية فقط, ادرنا امورنا بثقة ونظافة يد....نعيش ببركة تغمرنا جميعا..
اتمنى ان يحقق صديقي ذلك بوطنه....


التدوينة القادمة وقف(2)

تاصيل الكلام عن الوقف في الاسلام- هذا العنوان دعابة-

( :

اعتذر عن الاطالة.....

هناك ٩ تعليقات:

الجنوبى يقول...

رائع بل اكثر من رائع
اختيارك للكلمات يوحى للقارئ بسلاسة تجعل كلامك يبتسم فى الداخل


تحياتى وتقديرى

محاولة لكسر الصمت يقول...

حقا هو أكثر من رائع...
بينما أقرأ عشت حلما جميلا استيقظت منه على شيئ خطر ببالي فجأة..تذكرت خبرا قرأته في الجريدة منذ أيام..حيث صرحت السيدة الوزيرة الفاضلة بأن (الحكومة مدلعة المواطن)...حينها أدركت كنه ما يشعر به صديقك وما أنت تشعر به-افتراضا-
تحياتي....

شاعر سبيل يقول...

ستعود أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز
حتما ويقينا ستعود
بس المشكلة الكبيرة
هنصرف أموال الزكاة ساعتها على مييييييييين؟

إنسان || Human يقول...

ياسيدي على الخيال ...ده مجتمع مثالي اللي بالشكل ده ...وفعلا لو اتحقق نص الكلام اللي انت بتقوله اظن مش هنلاقي فقراء في البلد ...وأظن إن بيت المال كان فكرة مجمعة لكل ده
دمت بخير

Adham يقول...

أكثر من رائع .. استمتعت كثيرًا بإبداعك الفكري واللغوي .. كذلك وصفك ووالدتك تركبان سيارة عمك .. رائع ..
أحب مدونتك .. داوم على الكتابة يا عزيزي ..

أدهم

عاشق الدعاء يقول...

من المؤكد أن مجتمعكم الذي يحسدكم عليه صديقك لم يصل إلى هذه الدرجة من التراحم إلا بعد تضحيات و عمل و مثابرة قدمها منظّرون و عاملون و شباب يغلب عليهم الإخلاص في أعمالهم و التفاني و الإتقان فيما يقومون به جعلت الناس يتخلون عن الأنانية المفرطة و حتى غير المفرطة عند كثير من أفراده .
و أظن أيضا أن هذه المرحلة من التضحيات لم تكن سهلة فقد كان العمل و العطاء هو سيد الفضائل في هذه المرحلة.
فقد اصطدمت هذه المجوعات العاملة بكثير مما ترسب و أصبح شبه عادات في المجتمع بل وحتى الدوله التي كان النظام فيها يلاحق أي روح إيجابية في المجتمع خشية أن تؤثر على ما يظنه النظام فيها ( أمن البلد القومي ).
أتمنى أن تنصح صديقك أن يكون من طليعة هؤلاء العاملين و أن لا يكون موقفه مجرد التأسف على أحوال بلاده حتى و إن ظن الطريق طويلة لكن من المؤكد أن الهدف يستحق ولا يضيع ربك من أحسن عملا .

متألق كالعادة
أسف جداعلى الإطالة
في انتظار الجزء الثاني ...

emad.algendy يقول...

الجنوبي:
تعليقك ايضا يجعلني ابتسم في الداخل


محاولة لكسر الصمت:
لتعليقة الوزيرة السفيرة كانت تدوينتي
لماذا يشعروننا باننا عبء عليهم
لنتحرر منهم بتكافلنا....

شاعر سبيل:
عسى ان تعود سريعا
عندما تعود نفكر باموال الزكاة


human
سعيد بتواصلك عزيزي
عسى ان تكون بافضل حال
دمت بمحبة


ادهم
اسعد بزيارتك
حاضر
دمت بخير


عاشق الدعاء:
شكرا لاثرائك
بالطبع لم يكن الامر سهلا
عسى ان نكون منهم
امين
شكرا لاهتمامك ومتابعتك

دمت ايفورك على طول

:)

أبو نزار يقول...

نعم عزيزى نور يحدث هذا عندما يتكاتف الشعب ولشد ما آسف أن شعبنا المصرى يفتقد لهذه الروح الجماعيه أساسا يوم يتكاتف الشعب ويتعاون من الجائز أن يستطيع تجاوز الحكومه كيما ينشأ هو مثل هذه الهيئات ,فى موسوعه مصر القديمه لسليم حسن العديد من تراجم البرديات التى هى عباره عن ما يمكن تسميته بالنظام الأساسى لجمعيات دينيه اجتماعيه يجتمع تحت لوائها عبده التمساح والقرد فهل من الصعوبه بمكان أن يتحقق هذا لأتباع عقيده التوحيد

Unknown يقول...

فكرة رائعة واسلوب راقي جدا جدا
بجد اعرف منك الفرق بين الموهبة في الكتابة والعلم باسلوب الكتابة


طول ياعم براحتك