٠٥‏/٠٧‏/٢٠٠٩

وقف(2)

في الاسلام مجموعة من المبادىء و الافكار تترجم عمليا في آليات محددة الى افعال وسلوك.......

من مبادىء اسلامي ان الانسان خليفة لربه في عمران ارضه واقامة شريعته , خلافة المسلم ليست فردية تقتصر على علاقة خاصة بين العبد وربه, الخلافة مسؤولية الأمة او الشعب المسلم بين امم وشعوب الارض ........

الامة هي المستخلفة عن ربها والامة وليست الدولة ولا الطبقة , هي حاملة امانة رسالة التقدم والنهضة بنظر الاسلام الذي هو دين الجماعة *

المالك الحقيقي للثروات والاموال في الدولة الاسلامية هو الله سبحانه وتعالي , بخلقه لها وافاضتها اياها في هذا الوجود, والانسان او الامة مستخلفة عن الله في هذه الثروات والاموال لها فيها الحيازة والانتفاع والاستثمار على النحو الي يحقق اعمار الارض وصنع الحضارة*

صناعة الحضارة تتطلب حراكا مجتمعيا يشارك فيه كل فرد, بالاضافة الى توفير التمويل الاجتماعي لهذه الصناعة الحضارية والخلافة الربانية
مبدأ الخلافة والملكية يحرران المال من استحواذ الفرد عليه بصورة انانية الي حقيقة ملكية الله له...

الوقف الاسلامي كآلية استطاع ان يحرر الانسان من فرديته وانانيته, الي المشاركة مع الامة او الجماعة في صناعة الحضارة . الوقف ايضا اعاد الاموال الى اصل ملكيتها.. اعادها لملكية الله الحقيقية لها....

تاريخنا يظهر بوضوح الفرق بين "الدولة" و"الأمة" . انحرفت الدولة عن مبدأ الشورى بنزاع لاينتهي على الحكم والسطلة, بينما صنعت الامة حضارتها وازدهرت علميا وفقهيا وحضاريا, الوقف كان الممول لتقدم حضارتنا , كما كان حاجزا منع تسرب اي طغيان للدولة على شعبها المستقل عنها حضاريا, بتمويل مجتمعي يضمن للحضارة الاسلامية الاستمرار والخلود , غير مرتبط باستمرارية الحاكم او زوال حكمه....

استطاعت الاوقاف ان تحقق العدل الاجتماعي ... مولت الاوقاف المدارس والمساجد والمكتبات وبيت النساء الغاضبات ونقطة الحليب والحفاظ على التحف والاثار"متاحف"وتحرير الاسرى واقامة المستشفيات ورصف الطرق ورعاية ابناء السبيل والمعاونة على اداء فريضة الحج والعمرة واقامة اسواق التجارة والانفاق على الضيوف وبناء مقابر الصدقة ومؤسسات الصناعة والاسبلة والعبارات وتزويج المحتاجين والمحتاجات........الخ*

ظلت مؤسسة الاوقاف احدى اهم مؤسسات "الامة" التي رجحت كفتها في مواجهة "الدولة" واعانتها على صناعة الحضارة, قام اول ديوان للاوقاف - وكان مستقلا عن دواوين الدولة - في عهد هشام بن عبد الملك ظل هذا اليوان مؤسسة أهلية"مستقلة"عن الدواوين السلطانية....

في عصرنا الحديث تغير كل شيء.... وامتدت يد الدولة لتلغي استقلال الاوقاف, وضمها الى مؤسسات الدولة... ففي عهد محمد علي باشا فرضت الضرائب على اراضي الاوقاف ومؤسساتها بعد ان كانت معفاة منها , واستولت" الدولة" على اراضي الاوقاف الخيرية في عام 1812 التي كانت مساحتها تزيد عن خمس مساحة الاراضي المصرية, وعندما احتج العلماء على ذلك , أعلن محمد علي قراره احلال الدولة محل الامة ومؤسساتها الاهلية في ادارة الاوقاف ....


امتد شيء من الفساد الى الاوقاف , اصبحت ادارتها ضمن هيمنة "الدولة", انتفى دور "الشعب" او" الامة "مع الايام,بدلا من ان يصنع الشعب حضارته باستقلالية تامة عن الدولة او الحاكم, اصبح تابعا سلبيا ينتظر ما تقدمه الحكومة او الدولة, ما نحتاجه الآن اعادة الاوقاف الى ادارة الشعب وتحريرها من هيمنة الدولة....حينها قد يشعر الشعب بوجوده.....


بامكانك ان توقف القليل مما تملك , على من يحيطك من معارفك.... مشروع نور لهذا الصيف ان يوقف مكتبته الصغيرة على بعض من يعرف, لهم الانتفاع بالقراءة ولربه الملكية التامة لكتبه....

أتمنى ان تعصف ذهنك لبعض المشاريع الوقفية الصغيرة ,التي قد نطبقها جميعا في محيط معارفنا..
انتظر مقترحك في تعليقك...


دمتم بخير



----------------------------------------------------


* د.محمد عمارة...

"الافكار ايضا من وحي محمد عمارة".....

تعريف الوقف شرعا: حبس الأصل وتسييل المنفعة...

"ان تتنازل عن ملكيتك لشيء, على ان تكون منفعته لنا جميعا"...







هناك تعليقان (٢):

أبو نزار يقول...

المسأله أكبر من مجرد إحلال الدوله محل الأمه فعلى مدار التاريخ الإسلامى كان هناك ابهام فى تعريف الدوله والامه والحكومه فالدوله والحكومه والأمه على مدار تاريخنا كانوا عباره عن شىء واحد هو ولى الامر ظل الله فى أرضه الحاكم المقدس.
العجيب أنه فى هذا الوقت الذى صرفت فيه الأنظار فى بلادنا الإسلاميه عن الوقف بعد أن استباحته الانظمه الحاكمه بصورتيه الأهليه والخيريه لم تزل الأمم الغربيه فى رعايه وتثمير لاوقافها التى هى فى صورة مشاريع علميه من جامعات ومعاهد فى أكثرها قبل أن تكون خدمات احتماعيه ودينيه,

just a girl يقول...

جميل جدا..
من المؤكد ان هذا هو ما بات عليه حالنا الان و لكن .. لا تزال المشكلة في انعدام طاقتنا لنعيد هذا الوقف ..لم نتحلى بهذه الطاقة بعد للاسف ..و ما زالت تسير الامور للاسوء.

رغم ذلك اعجبنى بشدة مشروع نور ..مشروعك الصغير هذا بحق مبتكر و جميل و حيوى في ظنى ان فعل كل منا مشروعه الصغير االخاص به قد يكون بداية انطلاقه لعادة نعيد احياؤها من جديد و نظام حياة لنحيا عليه.