٢٥‏/١٢‏/٢٠٠٩

إدراك

لا يمر ليل او نهار , إلا وأجبت سؤالها بالتالي:

إدراكنا كله رحمة,فإذا تأملنا إدراك الاطفال ,سنجد فيه عناية ربانية خاصة, فنحن نولد في غيبوبة تامة من عقولنا, فكل عضو من أعضائنا يتحرك حين نولد إلا ذلك الجزء منا الذي ندرك به الحياة , غياب إدراكنا لايمنع ابدا نمونا الجسدي , بل يكون دافعا له, فمن منا باستطاعته ان يتحمل هذا الرفض واللفظ المقيت من رحم آمن حنون سكناه لتسعة اشهر؟ من بإمكانه ان يتحمل رؤية جسده قذرا ملطخا بسوائل ما بين الابيض والاحمر المتجلط ؟ او ان يستوعب احتراق صدره بألم رهيب مع كل نفس؟ من باستطاعته ان يعتاد نور الدنيا وصخبها بعد كمون في ظلمات ثلاث؟ او ان يتفهم لماذا يلفظه هذا الوطن الحنون بكل هذا الغضب والجنون, بانقباض وتؤوه ينخلع له القلب؟......

تنمو اجسامنا ويبدأ نمونا الجسدي أولا, ثم نوهب الإدراك شيئا فشيئا, فنتبسم لأقل شيء, لذا نقول-نحن الكبار- أن الأطفال يبتسمون للملائكة فهم يرونهم, ربما نقول ذلك لأننا لا نجد سببا لابتساماتهم...إذا يزهر إدراكنا جميعا على بسمة ملائكية صافية, لكن يحجب عنا-في نفس الوقت-ذلك التبرز والتبول اللا إرادي ونظل نبتسم ونلهو لأقل سبب....تمضي الأيام وتقوى أجسادنا , ويتكشف لنا من أمور أنفسنا ودنيانا شيئا بعد الآخر.....


أما سؤالها الذي تكرره كل ليل او نهار هو :كيف يمر العمر بنا ونحن نعاشر ألد أعدائنا بكل حب واعتزاز؟؟كيف دار الزمان ولم ندرك بعضا من علات نفوسنا وضعفنا؟؟كيف أدركنا الكذب صدقا والنفاق مودة والاستغلال شهامة وأصلا؟؟كيف مضت الحياة ونحن على جهل بأنفسنا؟؟ثم لماذا هذا الإدراك المتأخر؟ تنهي حديثها بحرقة غريبة , وشعور يجمع بين الضعف والسذاجة, فأجيبها بالتالي:

عناية ربنا تتغمد ذلك الطفل حتى آخر العمر, فتظل بسمته ملائكية حتى وإن صادق الأعداء وتوهم الكذب صدقا, ما يحجب عنا من طباع البشر وعلات نفوسنا هو رحمة تامة ,حتى نقوى شيئا قشيئا, ويكتمل نمونا جزءا جزءا, ثم يكشف لنا شيئا مما حجب عنا , فنتقبله برضا وعزة نفس, المعرفة مؤلمة أحيانا, حجبها حتى ننضج لطف رباني تام بنا, الأهم ان نتذوق هذه الرحمة واللطف , ونحمد ذلك الادراك المتأخر ,فالحياة ان انكشفت لنا بكل ما فيها من كبد ومشقة لحظة ولادتنا ,لانتهينا جميعا.....

يسود صمت بيننا ثم تجيبني:
-مريح هذا الفهم, سبحان اللطيف الرؤوف....

لكنها تسأل نفس السؤال في اليوم التالي, فأجيبها نفس الجواب...لماذا؟؟

: )

"نعود لندون كل جمعة"

هناك ٧ تعليقات:

Unknown يقول...

ماشاء الله
الادراك بتاعك عالي اوي
بس حذاري من الالم
الله معك

Abd Al-Rahman يقول...

فسبحان اللطيف الرؤوف
أن وهبنا إدراكا نصل به الى نعمة الإدراك فى الكبر ونعمة عدمه فى الصغر...
عرضك صديقى يشعرنى دوما بأنى مازلت أحبو فى طريق الفكر والأدب...
بوركت وبورك عقلك الاسثنائى ...
ولنجعل دوما لقائنا متجدد على صفحاتنا
إلا ان يأذن الله بتلاقى الأجساد ...

ابو نزار يقول...

فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد...صدق الله العظيم ,الله خلق الإنسان وهو اعلم بامكانياته لما طلب موسى الى الله ان يره قل له ربه لن ترانى ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف ترانى...ان موسى بكيانه المادى البشرى لم يكن ليستطيع ان يتحمل رؤيه من وصفه الحبيب بقوله نور على نور...فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا..وهكذا كان انعدام الأدراك احيانا نعمه من الله كما انه ايضا يكون فى احيان اخرى نعمه منه

محاولة لكسر الصمت يقول...

فالحياة ان انكشفت لنا بكل ما فيها من كبد ومشقة لحظة ولادتنا ,لانتهينا جميعا..

هي حكمة الله التي لا ندركها إلا متأخرا جدا..

أما عنها..فربما هي تحتاج أن تدرك الحقيقة بنفسها لا أن تسمع الجواب مباشرا..

ــــــــــــــــــــــــــــــ
أحببت هذه التدوينة كثيرا,شكرا لقلمك..وشكرا للسؤال وشكر أخير للدعوة لقلني بالتعافي...
ليت الأطباء يمنحوننا علاجا لأقلامنا كما يمنحونا علاجا لأبداننا..

تحياتي

الجنوبى يقول...

السلام عليكم دكتور شوبنهاور

تحياتى على هذا البوست الذى يوصف -واقل ما يوصف -انه من القلب

اعرف ياسيدى ان ايراد اى اراء سيكولوجية سيكون من قبيل الملل والاستظهار لكن اسمح لى ان اورد رايا للفذ فرويد تتميما لكلامك وتفسيرا علميا له

يقول فرويد فى كتابه التحليل النفسى الجزء الاول ما مفاده ان الانسان عند ميلاده يتمتع بكثير من الصفات التى يتصف بها الكبار من شكل وصفات جينية واغلب العمليات الحيوية داخل الجسم ومنها العملية الجنسية ولكن فى شكل بدائى للغاية

لكن يضيف فرويد ان الحياة النفسية عند الاطفال تكون متمثلة فى شئ واحد فقط هو الانا الذى ينشق عنه الجزئين المكملين وهما الهو والذى يتكون بفعل البيئة والانا الاعلى الذى ينشأ فى المنتصف بين الانا والهو والذى ينتج من سلطة الابوين وطريقة التعامل والذى يمثل السلطة الاخلاقية ومن خلال النظر الى مراحل التكوين للحياة النفسية من خلال مكوناتها يتضح تطور الادراك عند الاطفال

وكما ان الخير موجود بالفطرة وهو مايسميه فرويد بغريزة اللبيدو او الحب فان الشر موجود بالفطرة وهو مايسميه فرويد الاروس او غريزة التدمير او الموت

اعرف ان ما قلت ليس بخافٍ عنك لكنها شهوة الاستظهار كما تعلم
هههههههههه

تحياتى وتقديرى

emad.algendy يقول...

احمد غريب:
جاري الحذر
شكر الله لك


*********
عبدالرحمن
حقيقة لا استحق ما كتبته انت عن حسن ظن بي
قريبا نلتقي ان شاء الله

*************
ابو نزار
دائما تجد ماتضيفه
لديك سرعة بديهم وحضور ذهن وشواهد احسدك عليها
شكرا لقراءتك

*************
محاولة لكسر الصمت
اما عنها فهذا ما يشغلني ويحزنني احيانا
معك حق تماما
تجاربنا القلبية هي ما توصلنا لليقين
عليها ان تتحقق هي بنفسها
العفو هذا من حسن ظنك
ربما ينشغل قلمك بالكتابة في صفحة وجدانك فنراه بعد فترة وقد اثمر واختمر
امين

******************
الجنوبي
وعليك السلام
اما عن شهوة الاستظهار
فأول تعليق للجنوبي في مدونتي عن تدوينة اشياء كان"احيانا نمشي في عتمة نحسب انها نور"
يعني بزمتك حرقت لمبتي في لحظة يا عمرو
وبقيت ضلمة مش نور...
"اصدقك القول كان اجمل تعليق احببته واذكره الى الان...احب الصدق في كل امر.."
اضحكني كثيرا قولك دكتور شوبنهاور
اما عن فرويد
فيقينا اضفت لي الكثير دون ملل او استظهار...
تحياتي

نور يقول...

مساؤك هادئ
أشكرك جداً
قرأتها .. ولازلت
وفي كل مرة سأسأل نفسي ذات السؤاااال
*
كل الشكر لك