٢٢‏/١١‏/٢٠٠٨

مقلديات:معايشة

" في تمام الثالثة فجرا ظلام دامس يحيط به .... يتلمس جسده ليتاكد انه مازال موجودا نابضا بالحياة... ظلام يلتهم كل شيء... انين الصمت يكاد ينسف عقله... تعلم من الليالي الماضية كيف يتحرك من غرفته باقل الخسائر الممكنة....يوميا وقبل ان ينام يرسم خريطة لتحركاته بالمنزل متجنبا كل ما يمكن ان يكسر تحت السواد...كل ما عليه فعله ان ينتظر الشروق.
قيظ اغسطس يوقظه بلا ماء او كهرباء يفكر قليلا ماذا لو نسفوا منزلهم هذه المرة؟......يبتسم قليلا...فهو يدرك ان الامر كله لم يكن اكثر من" معايشة"تطمئنه والدته انها احتفظت بكمية لا باس بها من المياه يمكنه ان يستخدمها ليتوضا ان اراد الصلاة يتجه الى مصدر صوتها وقبل ان يصلها يرتطم بجسم دافىء مندى كزهرة بيلسان من الجليل:
-سامحك الله ...اصبت وجهي يا ولدي
-لم ارك والدتي..اعتقدت انك ابعد....اللعنة على الظلام...اين شموع الامس؟؟؟
يجيبه والده انها نفدت ونسي ان يشتري غيرها...
يتجهان الى الحوض يضم كفاه معا... منتظرا الماء...يسمع خريره....يعلم انه اخطا مصب والدته...يحرك يداه دائريا بحثا عن اي قطرة ...يتوضا ويعود لغرفته يتحسس سجادة الصلاة بعد ان كان وضعها نهارا باتجاه القبلة متحسبا لليل... يجثو بركبتيه.... عليه الان ان يتاكد انه داخل اطارها تماما وفي اتجاه القبلة....يتحسس جسده ويتصور مكانه داخلها... بعد ان يتاكد من استقباله القبلة يقف ليصلي داعيا لهم....
كم يشعر بالضعف حيالهم... هو لم يعد يطيق صبرا... وهم يعيشون حاله شهورا.....هو يلزم عقله ان "يتخيل""يعايش" وهم يزفون للموت ارواحهم كل ليلة... "
تكرر الاسبوع الماضي حصار غزة لمرة اخرى...استدعى ذلك بداخلي ما كنت عرفته من ابراهيم مقلد* عن احد الاباء بمدينتي..كان ما وصفته ليلة من ليالي احد ابنائه....الوالد اراد ان يربي ابناءه على ما يعايشه اهل غزة...هو يفصل الكهرباء والماء عن شقته كل ليلة بموافقة ابنائه ليعايشوا اخوانهم خلف حدود رفح.... يستمر فصل الماء والكهرباء حتى طلوع الشمس ....
هو الان لم يعد يطلب منهم ان يقاطعوا او يتبرعوا او حتى ان يحملوا همهم ....اصبح اولاده يقومون بذلك تلقائيا بعد ليلة معايشة واحدة...اعتقد ان فكرته وتربيته ابداع حقا....
عندما رست سفينة كسر الحصار القبرصية شعرت بالعجز حقا...السفينة لم تكن من طرابلس صيدا اللاذقية او حتىالاسكندرية ...كانت من قبرص.....
مابين معايشة وكسر حصار يتحرك من حولي من كل عرق ولون ودين ....ومازلت اقف اتابع باهتمام واسى فقط...
ماذا عساي ان افعل؟
-----------------------------------------
*ابراهيم مقلد شيخ بمدينتي اسلامه لا يقف عند حدود العبادة او ينتهي بعد عتبة مسجده..اسلامه يمتد لكل حركة وهمسة...اسلامه منهج حضارة لا علاقة روحانية خاصة فقط.."مقلديات : معايشة" هكذا كان عنوان تدوينتي...من كثرة ما اعتمل في من حديثه...

هناك ٨ تعليقات:

سمراء يقول...

الى متي ؟ الى اين ؟


اشكرك
سمراء

Abd Al-Rahman يقول...

صديقى العزيز جدا
تحية إجلال الى كل من :
- الأب : لأنه فهم أصل التربية الاسلامية الصحيحة، وفهم كيف يوصل لأبنائه مفهوم التضامن مع إخوانهم ، كما أنه فهم كيف يكون الأب خير معلم ...
- الأبناء : على نباهتهم ، وسعة أفقهم ، فلم يتذمروا ولم يعترضوا ، إنما شعروا بأن هناك من هو فى سنهم ، يعيش هذه اللحظات من الحرمان ، إلا أنهم لا بديل لهم ، ولا يملكون مفتاح كهرباء يضغطون عليه فتعود الكهرباء اليهم ، هم ليسوا فى تجربة مثلهم ، لذا فحق علينا أن نساعدهم
- أبطال غزة : الذين يشعورننا كل يوم بمدى ضآلتنا أمام صمودهم ..
- الشيخ إبراهيم : لأنى اتفق معك تماما فيما قلته فيه ، وأزيد عليك بأنه من ذو شخصية ظريفة تزيد حب الناس له .. انه مثال على المسلم الصحيح ..
- تحيتى لشخصك الكريم على موضوعك الرائع ..
تحياتى

emad.algendy يقول...

العزيزية سمراء
الى ان نعود
عفوا
تحياتي لمرورك

emad.algendy يقول...

عبدالرحمن
تحياتي لك
دمت بخير

blackcairorose يقول...

أسوأ من أن نرى ما نريد تغييره هو احساسنا بالعجز ازاءه

اقصوصه يقول...

تدوينه جميله

بانتظار الجديد

تقبل مروري

غير معرف يقول...

يابني انت مش هتبطل تبدع بقة!!
في البداية السلام عليكم,موضوع راق خرج من الatrium بتاعك ووصل للventricle بتاعي.
تعرف يا عماد انا والله ما حسيت احساس من ساعة حصار غزة الا احساس متداخل بين الاستحقار والاكبار استحقر نفسي استحقر كل من بيده مفتاح الفرج كسبب دنيوي لفك الحصار ولو بكسرة خبز ويفضل ان يكون شيطانا اخرس ,استحقر كل تلك الجموع التي نادت بالحرية ثم خذلت الحرية ونادت بالسلام وعادته،استحقر كل اب يقبل ابناءه دون ان يفكر في اطفال غزة وكل ام تصنع الطعام ولا تزينه بدموع الحزن على ام لا تجد لابنائها طعاما الا حبوب الغلة المخصصة للماشية.
واكبر كل انسان بكى من اجل اخوة له يعانون ولم يقف عندحد البكاء بل زاد الى ان حاول بقدر استطاعته ان يكون خطوة على طريق فك الحصار.
اكبر كل اب وام في غزة يرضعان ابنائهما بدل اللبن ويطعماهم بدل الطعام عزة وصمودا.
اكبر كل انسان صرخ وهب واقفا ثم لم يقعد ابدا فكم من الناس صرخ باعلى الصوت ثم خار خوار الجبن وكأنه لم يصرخ.
واكبر اكبر اكبار اخوة لنا لم يبيعوا الارض ولم يسلموا السلاح حفظا لعهدهم مع رب الارباب سبحانه وهم يتساقطون فداء لهذا العهد.
ولسان حالهم يقول:
فاذا سقطت سقطت احمل عزتي
يجري دم الاحرار في شرياني
واذا وقفت وقفت احمي رايتي
بكل عز وفخر وايمـــــان

emad.algendy يقول...

blackcairorose
العجز هو ما جلعني اكتب هذه التدوينة
ربما تملصا من حقهم علينا باقل القليل حتى لو تدوينة
تحياتي

اقصوصة
تحياتي لمرورك


محمد خالد
قد لا احمل من مشاعر الاستنكار او الاستحقار لمن لا ينفعل لهم
لكن يقينا احترم واكبر كل من يهتم بقضيتهم
تحياتي
يثريني تعليقك
دمت بخير ومودة