٠١‏/١١‏/٢٠٠٨

عشرة قروش....


نظر اليهم , دقق قليلا في ملامحهم, كانه يراهم لاول مرة,اتجه نحوها:
-اعتقد ان هذه اكثرهم جمالا.
-قد نجني من جمالها تبرعات اكثر.
-اذا اعتمدها ليتم تصويرها غدا من قبل حملة الدعاية للملجأ.
انطلقت تركض في ارجاء الملجأ تعلن لصديقاتها انه سيتم تصويرها, غبطها البعض , بينما حاول الاخرون ان يودعوها:
-غدا يصورونكي وتتركي هذه المقابر
-قالوا انها للتبرعات فقط.
-قد ينشروا صورك ويطلب احدهم تبنيك ...
سافرت بخيالها الى عالم لم تره من قبل ...كان جل حلمها ان تترك الملجأ لم يجل بعقلها الصغير مع من ستعيش ....كيف ستعامل...اسيحبوها؟؟ يودوها؟؟؟ ام مجرد عطف وشفقة؟؟؟؟ كل ما وصلت اليه انه مكان اخر.........مكان اخر خارج هذه الاسوار.

في المساء طارت كفراشة من عنبر لاخر,حاولت جاهدة ان تمضي السويعات قبل التصوير بأمان,كيف ستقف امام الكاميرا .... وكيف سيداعب الفلاش عيناها.....أسيؤذيها بوميضه....أم تلمع به دانتيها الزرقاوتين.....أسيطلب منها المصور ان تبتسم .....تبكي ....تتصنم في مكانها ...ام سيطلب منها ان تدمع عيناها؟؟؟؟ اين ستصور؟ بين سرائر عنبرها ام بين زهور حديقتها؟ماذا لو اخذت دميتها وصوروها بها.....تتذكر انها اصبحت دمية بلا أطراف ..تزعجها الفكرة....

اسدل الليل ثوبه المخملي على السماء....ساعة ويدق جرس النوم ........تعود وترسم صورتها فوق سريرها ...لكن اين ستخفي غطاء سريرها الذي لم يتبق منها سوى اطاره الخارجي....كيف ستصور على سرير عار؟ماذا لو اخفته؟يبدا القلق يعصف بعقلها ...
ماذا قد ترتدي؟؟اترتدي بنطالها المرقع المهتك على قميصها وحيد الكم......ام ترتدي فستانها المسدل امامها لامتار كجلباب عم حسين حارس الدار....كيف سيصور كفاها الصغيرتان ان ارتدته....؟ أسيرتعد من ذلك الشبح الصغير؟؟تتخيل صورها ....تبتسم قليلا..... ثم تمضي في الملجأ....
تتذكر صديقتها اسماء...ماذا لو منحتها اسماء غطاء سريرها لليلة واحدة فقط...حتى اذا ما صورها ردته لها,لكن المشرفين قد أطفأوا الانوار...واسماء في العنبر الموازي لها....

-أسماء...اسماء
نعم, سملى....
-غدا سيصوروني ويتبناني احدهم......
-حقا؟؟
-نعم...قال المدير انني اكثرهن جمالا....
-سلمى...لاتنسيني بهد ان تخرجي...تعالي انتي وتبنيني...
-لن انساك....ساتبناك في اليوم التالي لخروجي,كم احلم ان نخرج سويا خلف هذه الاسوار...اسماء...هل لي بغطاء سريرك؟؟؟؟
-لماذا؟؟؟
-قد يصورني على سريري,واود ان اتصور مع غطائك....ساخذه لليلة فقط
-حاضر ...لكن احضري الكرسي الخشبي من عنبرك وقفي عليه...وساناولك اياه من النافذة العلوية....بين عنبرنا....
-حاضر

ركضت الى الكرسي الخشبي...حملته بكل قوتها...وانى لها ان تحمله وهي بنت الثمانية اعوام....لكنها كلما تذكرت فلاش الكاميرا تزداد قوة, ألصقته بالجدار ووقفت عليه,حاولت ان تصل الى النافذة لكن لم تستطع....فكرت قليلا.....لماذا لاتقف على ظهر الكرسي برجل واحدة...تثبت رجليها...تصعد برجل واحدة أولا لتجربه...اهتز بعض الشيء....لكنها تشاهد غطاء سلمى امامها....تحاول ثانية...تندفع اكثر....رجل على ظهر الكرسي...والاخرى تدفعها....ارتدت بعد ان لمسة غطاء سلمى....
انتظرت لبرهة....استجمعت كل قواها واحلامها....ثم همت ان تقفز....كانت قفزتها اكبر من كرسيها الصغير...تماما كما احلامها....تسقط على جبهتها الصغيرة...مخلفة كدمة اكلت وجهها وشيء من عينيها.....
هرولت باكية للمربية ,ضمتها بدفء لحضنها بشدة واخذت تبرد كدمتها :
-وصورتي غدا
-لا تقلقي عشرة قروش فقط تربطيها على كدماتك وتختفي
-الديك عشرة قروش؟؟
حاولت مربيتها جاهدة ان تجد لها العشرة قروش لكن دون فائدة:
-ابحثي مع احدهم قد تجدي

طافت العنابر تسال صديقاتها العشرة قروش لكن انى لهم وهم لم يجاوزا اسوار الملجأ.قضت الليل بكاء على سريرها وكم تمنت ان يطول الزمن ولا تاتي ساعة التصوير .
ياتي الصباح تنهض من سريرها وتقف على باب الملجا ...اخذت تسال الداخلين من مربيين ومشرفين واداريين العشرة قروش:
-عشرة قروش...عشرة قروش...
لكن احدا لم يلحظ وجودها....لاحركة ولا صوتا ولا حتى ظلا.....دخل الملجا رجل لم تره من قبل ركضت اليه ووقفت امامه:
-عشرة قروش....اريد عشرة قروش....
نظر اليها حاول تجاوزها واختفى بين الحجرات....
لحظات وتاتيها المربية الى البوابة...ادخلتها حجرة المدير,ووجدت ذلك الرجل,همت ان تساله العشرة قروش,لكنها ارتعدت من نظراتهم اليها:
-هذه؟؟؟
-نعم
انحنى الرجل الى اذنه وهمس بصوت خافت ...
-هذه من ساصورها للدعاية؟؟؟؟
-نعم
-دعاية لملجا ام لدار احدات؟؟؟
نظرت اليهم ولم تعلم من هو بعد...ادار ظهره وترك الحجرة.....لحقته الى البوابة....وصاحت:
-اريد عشرة قروش.....عشرة قروش فقط....
ادار لها وجهه ورمى لها العشرة قروش.....اخذتها وركضت الى المربية:
-هكذا يبقى ان ياتي المصور وارحل خلف هذه الاسوار......
ساترك القصة لمدة اسبوعين...دمتم بخير

هناك ٩ تعليقات:

Abd Al-Rahman يقول...

أسلوب أدبى راقى ، وتنقل بين الأحداث بمنتهى السلاسة والتمكن ، أبدعت فى القصة صديقى ،واستطعت أن تصل الى عميق عميق قلبى ، بارك الله لك فى قلمك ، وزادك موهبة على موهبتك ...
ملحوظة نقدية صغيرة ، نهاية القصة من الممكن أن تصبح أقوى من هذا ، فقد شعرت بأنها ضعيفة بعض الشيئ تحتاج الى بعض التعديلات ...
دمت بألف خير صديقى

اسامة يس يقول...

اجاد العمل في وصف خلجات نفس طفلة بريئة حكم عليها القدر بأن تقيم بالملجأ.. أجاد في وصف خلجات نفس تسرب اليها الأمل فراحت تستشرف المستقبل بعين طفولية حالمة، فراح القلب يدق في اضطراب ولهفة... لم تكن سوى صورة فخيل لها آخرون نعيما آخر..
ثم ضاع كل شيء ... وظل الحلم عالقاً على شفاه الطفلة التي قالت:هكذا يبقى ان ياتي المصور وارحل خلف هذه الاسوار......
نعم عايشت مع سطورك حلم الطفلة،وحزنت لحلم وئد ولم يتحقق...

بعض الملاحظات الصغيرة عنت لي : ربما اجد أن سن الطفلة ست سنوات لا يناسب بعض العبارات التي وردت على لسانها أو بالأحرى التي دارت في خلدها ... وليكن السن ثمانية مثلا وهو فرق ليس بكبير لكنه مؤثر... مثلا ( لكن اين ستخفي غطاء سريرها الذي لم يتبقى منها سوى اطاره الخارجي....كيف ستصور على سرير عار؟ماذا لو اخفته؟يبدا القلق يعصف بعقلها ...
ماذا قد ترتدي؟؟اترتدي بنطالها المرقع المهتك على قميصها وحيد الكم......ام ترتدي فستانها المسدل امامها لامتار كجلباب عم حسين حارس الدار....كيف سيصور كفاها الصغيرتان ان ارتدته....؟ أسيرتعد من ذلك الشبح الصغير؟؟تتخيل صورها ....تبتسم قليلا..... ثم تمضي في الملجأ....)..
فهمها لمعنى التبني / يحتاج الى سن اكبر..
لكن مع ذلك السن الذي اخترته يتماشى مع بقية الوقائع .. لكن وسن ثمانيه او تسعه مثلا يتماشى ايضاً ويجمع بين ما يدور في الذهن وما حدث من وقائع...

بعض الملاحظات النحوية: لكن اين ستخفي غطاء سريرها الذي لم يتبقى منها
الذي لم يتبق منه...
واود ان اتصور مع غطاؤك
مع غطائك...

قلمكم يبشر بموهبة تملك ادوات الحس والروح... فالعشرة قروش التي راحت تطلبها كانت وكأنها طوق للنجاة.. دون ان تعلم أنها نهاية حلم...
لا اخالك بالغت كثيراً في العمل وأنك ملت الى ميلودراما رخيصه.. فكل الأعمال الأدبية وقائع حية ينسج الخيال لها طرائق في الصياغة وأخرى في الالتفات عن المباشرة... اي ان التناول هو الحاسم.. وحلم طفلة لوميض صورة يخرجها الى عالم رحب عمل يستحق ان يكتب كي نشعر بها... ومن في حالتها...
ارشح لك ان تقرأ قصص الكاتب القصصي / محمد المخزنجي
وجميع اعمال نجيب محفوظ ..
ويوسف ادريس...

عذرا لم اوف العمل حقه من النقد ، لكني خشيت ان أتلكأ فيضيع الوقت....
شاكراً لكم حسن ظنكم بي...
فجزاكم الله خيرا...
دمت مبدعاً متألقاً...

خالص تحياتي

غير معرف يقول...

خيالك القصصى متتابع بلغة رصينة تمسك بصهوة جوادها

أنت أديب بالفطرة يا نور .. لاأظن أن رأيى يضيف اليك شيئا

اللعب بالاحداث والحبكة اعتقد انها اوقعتك فى حيرة !!

قد تحتاج فعلا لاسبوعين لتخرجنا من هذه الورطة

تحياتى يا مبدع

maxbeta3zaman يقول...

جميل تناولك للفكره وقراءتك لأفكار بطلة القصة وتعبيرك عن أحاسيسها المتلهفة على اللحظة الحاسمة ...أدب جيد لولدى نور الثانى الذى أسعد بمتابعته كلما دخلت دكانه

emad.algendy يقول...

عزيزي عبدالرحمن
اسعد بتواصلك
اعتقد انك تفهمت الان ان اجمل مافيها النهاية
لم اشا ان يكون الظلم سبب لاي من الشخصيات الاحرى
هي فقط اقدار جعلت من يعطبها العشرة قروش في النهاية هو نفسه من تنتظره ليحررها ويحقق اخلامها
دمت بخير

emad.algendy يقول...

العزيز اسامة
انت اهل لكل ثقة
سعيد بكل كا قلته
قمت بتغيير العمر الى 8 اعوام
اقتنعت تماما بما قلته
ايضا الاخطاء النحوية تم تصحيحها
سعييييييييد انك توقفت لتنقد نحوا وعمرا
اضاف لي تعليقكم الكثير
اصبحت اقل حدة لتصوري للميلودراما الرخيصة
تفهمت وجهة نظرك
جاري قرائة محمد المخزنجي ومحفوظ ويوسف ادريس
اسعدني تواصلك
اعتذر عن تاخري

emad.algendy يقول...

العزيز شريف
اسعد برؤية تعليقك
تلك الصورة ما بين اسود وابيض ابتهج لرؤيتها
اخجلني تعليقكم
مازلت اتلمس طريقي
اعتذر عن تاخري عن متابعة تدويناتكم
دمت بالف خير
تحياتي

emad.algendy يقول...

العزيز ماكس
شرف لي ان اكون ولدك الثاني
ربما احتاج هذا وان كان افتراضيا
دمت بالف خير

soly88 يقول...

لست بناقد ولكن وصفك لصعودها على الكرسى ثم السقوط ممتاز

ورغم حصولها على العشرة قروش فان حلمها قد وئد
ربما احلامنا نحن ايضا تقتل امامنا دون ان نعى