٢٧‏/١٢‏/٢٠٠٨

فطام

اليوم سيفطم عن كل ما اعتاده منها...كان بمجرد ان يبكي تأتيه متلهفة مضطربة...فور ان تحمله وتضمه الى حضنها يخفت بكاؤه قليلا...لكنه لا ينقطع الا بعد ان يلامس جلده دفء صدرها...يأخذ نفسا عميقا ليملأ صدره من عبقها...كم يشعره اختلاط انفاسهما الدافئة بالأمان...فور ان يلتقم ثديها تسكن حركته قليلا...يهن بصوت خافت يرق له القلب...تدرك بفطرتها ان طفلها يتابع حركة مقلتيها...وكم يزعجه ان لا يلتقيها في نظرة...تبتسم له وتبدا بمشاغلته...يبتسم بدوره لكل حركة منها..احيانا تعقد جبينها فيقلدها بعفوية...احيانا اخرى تحرك لسانها او تنفخ خديها مستمتعة بكل بسمة تولد على شفتيه....بعد فترة بسيطة تخور كل قواه..تسكن كل حركاته..وتسقط حلمتها من فمه...يغط في نوم دافء...كلما اضطرب نومه...تجده يضم شفتاه وكانه مازال ملتقما ثديها...


اليوم سيفطم عن كل هذا..."هو لايعلم سببا لذلك"..كلما اقترب منها دفعته بشدة وحزم...ازدياد بكائه لم يعد يعني لها شيئا...عليه ان يقبل "ببدائل جديدة"..حضن دافء من بعيد...طعام جديد مختلف...نوم من دون رضاعة...يقولون يوم واحد فقط يكفي لفطم طفل...وهذا ما حدث بالفعل...بعد كل بكاء الامس استيقظ في اليوم التالي ناسيا كل ما اعتاده منها...ادرك فقدانه وواقعه الجديد وتعامل معه...تعلم مع الايام كيف يعبر عن جوعه او حاجته للنوم بكلمات لا ببكاء...ما ادهشني انه تقبل كل هذا بين يوم وليلة.."أدرك " ""تعلم" "تغير"تعايش" واصبح اقوى..


فطامه لن يتوقف يقينا عن الرضاعة فقط...الايام ستفطمه عن ما هو اعظم...كل قدر سيمر به وكل حدث جلل بحياته وكل تجربة يعيشها معهم ...ستثبت له ان الحياة ليست بهده الوداعة والسلاسة...سيفطم عن مشاركة من يحب....يفطم عن البوح بما يسكنه..يفطم عن اي احتياج لهم او الشعور بالامان معهم...يفطم عن براءة سكنته يوما....


فطامك يجعلك تدرك الامور بواقعية وقوة...يجعلك "متقبلا"لتغير الاحوال.."بدائل جديدة"وعوالم اخرى"ستتكشف لك ان فطمت عن الاعتياد والاستكانة...بالفطام تستقل عنهم في كل امرك...تصبح انت سيد نفسك...


فطامك ليس اكثر من اقدار كتبت لتلقاها....البعض يتقبلها بين يوم وليلة...والبعض الاخر يعيش العمر ساخطا من قسوة الايام والبشر...


"ولتصنع على عيني"

"واصطنعتك لنفسي"

فطامك صنع الله لك.....



هناك تعليقان (٢):

غير معرف يقول...

والنفس كالطفل إن تهمله شب على**حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
********************************
والنفس راغبه إذا رغبتها **وإذا ترد إلى قليل تقنع
جميعنا فى حاجه دائمه إلى فطام متجدد ليس من رضاع الطفوله لغذاء الكبار ولكن من حاجاتنا الدنيويه الكثيرة العاجله للوصول إلى غذاء الكبار فى عالم اكثر جمالا وعظمه هكذا اقتضت حكمه الله

emad.algendy يقول...

عزيزي ابو نزار
سعيد بمرورك
دمت بخير ومودة