٢٥‏/١٢‏/٢٠٠٩

إدراك

لا يمر ليل او نهار , إلا وأجبت سؤالها بالتالي:

إدراكنا كله رحمة,فإذا تأملنا إدراك الاطفال ,سنجد فيه عناية ربانية خاصة, فنحن نولد في غيبوبة تامة من عقولنا, فكل عضو من أعضائنا يتحرك حين نولد إلا ذلك الجزء منا الذي ندرك به الحياة , غياب إدراكنا لايمنع ابدا نمونا الجسدي , بل يكون دافعا له, فمن منا باستطاعته ان يتحمل هذا الرفض واللفظ المقيت من رحم آمن حنون سكناه لتسعة اشهر؟ من بإمكانه ان يتحمل رؤية جسده قذرا ملطخا بسوائل ما بين الابيض والاحمر المتجلط ؟ او ان يستوعب احتراق صدره بألم رهيب مع كل نفس؟ من باستطاعته ان يعتاد نور الدنيا وصخبها بعد كمون في ظلمات ثلاث؟ او ان يتفهم لماذا يلفظه هذا الوطن الحنون بكل هذا الغضب والجنون, بانقباض وتؤوه ينخلع له القلب؟......

تنمو اجسامنا ويبدأ نمونا الجسدي أولا, ثم نوهب الإدراك شيئا فشيئا, فنتبسم لأقل شيء, لذا نقول-نحن الكبار- أن الأطفال يبتسمون للملائكة فهم يرونهم, ربما نقول ذلك لأننا لا نجد سببا لابتساماتهم...إذا يزهر إدراكنا جميعا على بسمة ملائكية صافية, لكن يحجب عنا-في نفس الوقت-ذلك التبرز والتبول اللا إرادي ونظل نبتسم ونلهو لأقل سبب....تمضي الأيام وتقوى أجسادنا , ويتكشف لنا من أمور أنفسنا ودنيانا شيئا بعد الآخر.....


أما سؤالها الذي تكرره كل ليل او نهار هو :كيف يمر العمر بنا ونحن نعاشر ألد أعدائنا بكل حب واعتزاز؟؟كيف دار الزمان ولم ندرك بعضا من علات نفوسنا وضعفنا؟؟كيف أدركنا الكذب صدقا والنفاق مودة والاستغلال شهامة وأصلا؟؟كيف مضت الحياة ونحن على جهل بأنفسنا؟؟ثم لماذا هذا الإدراك المتأخر؟ تنهي حديثها بحرقة غريبة , وشعور يجمع بين الضعف والسذاجة, فأجيبها بالتالي:

عناية ربنا تتغمد ذلك الطفل حتى آخر العمر, فتظل بسمته ملائكية حتى وإن صادق الأعداء وتوهم الكذب صدقا, ما يحجب عنا من طباع البشر وعلات نفوسنا هو رحمة تامة ,حتى نقوى شيئا قشيئا, ويكتمل نمونا جزءا جزءا, ثم يكشف لنا شيئا مما حجب عنا , فنتقبله برضا وعزة نفس, المعرفة مؤلمة أحيانا, حجبها حتى ننضج لطف رباني تام بنا, الأهم ان نتذوق هذه الرحمة واللطف , ونحمد ذلك الادراك المتأخر ,فالحياة ان انكشفت لنا بكل ما فيها من كبد ومشقة لحظة ولادتنا ,لانتهينا جميعا.....

يسود صمت بيننا ثم تجيبني:
-مريح هذا الفهم, سبحان اللطيف الرؤوف....

لكنها تسأل نفس السؤال في اليوم التالي, فأجيبها نفس الجواب...لماذا؟؟

: )

"نعود لندون كل جمعة"

١٨‏/١٢‏/٢٠٠٩

ثقافة

اسلام عماد كان ثقافيا تماما , فهو ان حثك على الدعاء ,سيخبرك اننا اذا ما دعونا تكون فينا نموذجا لا وعيي-sub conscious model-لما نريد ,بكثرة الدعاء والتكرار يصبح توجهنا الذهني وتركيزنا كله على ما نريد , ينضج هذا النموذج شيئا فشيئا , حتى اذا ما كانت الظروف مواتية والاسباب ممكنة , انسابت نفوسنا بخفة وحيوية ساكنة هذا النموذج ومحققة لما اردناه ....

ربما تتعجب ان رافقت عماد  الى مسجده, فهو قبل ان يبادر بتكبيرة الاحرام, يقف كثيرا باتجاه القبلة ,يسترجع ما قاله" الغيطاني" عن العمارة الاسلامية يستمتع كثيرا بمتابعة هذه المثلثات الثمانية المحيطة دائما بدائرة ,يلاحظ تتابع الابيض والاسود وانتهائها في نقطة, يسترجع معنى الرمز...من عرش الرحمن-الدائرة- الذي يحمله ثمانية ملائكة-المثلثات-لصراط مستقيم-خط ابيض- او اخر اسود يورد صاحبه الهلاك في نقطة قد تكون قبرا او حسابا او بعثا ....

أما جهاد النفس فهو "رياضة نفسية", الوضوء تجديد للطاقة, السجود تفريغ لطاقة سلبية , اما النية فهي تحقيق لقانون الجذب"وانما لكل امرء ما نوى".باسم الله ليست استعانة بالله فقط ,لكنها مفتاح لتركيز ذهني وحضور نفسي لما تفعل......

عماد كان يخشى كثيرا ان يستوفي جزاءه في الدنيا ,فهو ان صلى وان صام وان دعا ,فكل ذلك لما تبعثه هذا العبادات من تركيز وصفو وانشراح صدر وحضور ذهن... لذا فهو لا يهتم لمن تدعو او تعبد, يكفيك ماتبعثه الاديان من صفو وخلق طيب, دائما ما كان يشكو من قسوة قلبه وفراغ نفسي رهيب, ان حادثته عن عذاب القبر او الحساب ,او رغبته في جنة او حذرته من نار لم يكن ليبالي, ربما استصغر شأنك واعتبرك عاطفي ضعيف او ساذج...عماد كان مسلما بثقافته وأفكاره , كان يفتقد الكثير من الخبوت والخضوع , ببساطة لم يكن "عبدا"مؤمنا".....

لقاء بصديق اذاقه الكثير, الحديث كان عن الملائكة, معرفة عماد  كانت "عقلية "تماما, معلومة اختزنها ثم استرجعها ببساطة,فور ان حادثه صديقه عن ما يعرف هو عن الملائكة, انساب لقلبه شعور لم يذقه من قبل, شيء من سكينة وأمن تغمده تماما ,صديقه كان معايشا بمحبة ولطف لكل كلمة قالها, معه وبحديثه تشعر انك تكاد ترى ملكا يحيطه بجناحيه, ليلة باتها صديقه معه غيرت فيه الكثير ....خبوت وخضوع واستسلام لم يعرفه نور من قبل, رآه محققا في صديقه, معايشا لكل ما هو غيبي موقنا به وكانه يراه....


الآن مازال عماد  يتعرف على الكثير بقلبه , منحيا عقله جانبا ,ربما اخطا كثيرا بقراءة "آراء"و" أفكار"عن الاسلام دون ان يقرأ آية واحدة بمعناها وسبب نزولها , او حديثا بفهم وادراك بسيط لمعانيه...

"واعجبا لقلوب جعلت غذاءها من آراء وافكار لاتسمن ولاتغني من جوع , ولم تقبل الاغتذاء بكلام رب العالمين ونصوص حديث نبيه الامين ,سبحان الله ماذا حرم المعرضون عن نصوص الوحي من كنوز الذخائر, وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر؟قنعوا بأقوال استنبطتها معاول الآراء فكرا , وتقطعوا امرهم بينهم لاجلها زبرا ,واوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا, فاتخذوا لاجل ذلك القرآن مهجورا" ابن القيم الجوزي مدارج السالكين .بتصرف.

الاهم ان يتحقق بمعرفتنا "معاني قلبية"
الايمان محرك وباعث لكل عمل "على الدوام", الافكار "تأتي وتزول"...

ربما تجاوزت الحد بين العقل والقلب قليلا , لكن جميل ان تكون انت وسطا بينهما, اقدر الغيطاني وأفكار كل من قرأت لهم...

٠٥‏/٠٧‏/٢٠٠٩

وقف(2)

في الاسلام مجموعة من المبادىء و الافكار تترجم عمليا في آليات محددة الى افعال وسلوك.......

من مبادىء اسلامي ان الانسان خليفة لربه في عمران ارضه واقامة شريعته , خلافة المسلم ليست فردية تقتصر على علاقة خاصة بين العبد وربه, الخلافة مسؤولية الأمة او الشعب المسلم بين امم وشعوب الارض ........

الامة هي المستخلفة عن ربها والامة وليست الدولة ولا الطبقة , هي حاملة امانة رسالة التقدم والنهضة بنظر الاسلام الذي هو دين الجماعة *

المالك الحقيقي للثروات والاموال في الدولة الاسلامية هو الله سبحانه وتعالي , بخلقه لها وافاضتها اياها في هذا الوجود, والانسان او الامة مستخلفة عن الله في هذه الثروات والاموال لها فيها الحيازة والانتفاع والاستثمار على النحو الي يحقق اعمار الارض وصنع الحضارة*

صناعة الحضارة تتطلب حراكا مجتمعيا يشارك فيه كل فرد, بالاضافة الى توفير التمويل الاجتماعي لهذه الصناعة الحضارية والخلافة الربانية
مبدأ الخلافة والملكية يحرران المال من استحواذ الفرد عليه بصورة انانية الي حقيقة ملكية الله له...

الوقف الاسلامي كآلية استطاع ان يحرر الانسان من فرديته وانانيته, الي المشاركة مع الامة او الجماعة في صناعة الحضارة . الوقف ايضا اعاد الاموال الى اصل ملكيتها.. اعادها لملكية الله الحقيقية لها....

تاريخنا يظهر بوضوح الفرق بين "الدولة" و"الأمة" . انحرفت الدولة عن مبدأ الشورى بنزاع لاينتهي على الحكم والسطلة, بينما صنعت الامة حضارتها وازدهرت علميا وفقهيا وحضاريا, الوقف كان الممول لتقدم حضارتنا , كما كان حاجزا منع تسرب اي طغيان للدولة على شعبها المستقل عنها حضاريا, بتمويل مجتمعي يضمن للحضارة الاسلامية الاستمرار والخلود , غير مرتبط باستمرارية الحاكم او زوال حكمه....

استطاعت الاوقاف ان تحقق العدل الاجتماعي ... مولت الاوقاف المدارس والمساجد والمكتبات وبيت النساء الغاضبات ونقطة الحليب والحفاظ على التحف والاثار"متاحف"وتحرير الاسرى واقامة المستشفيات ورصف الطرق ورعاية ابناء السبيل والمعاونة على اداء فريضة الحج والعمرة واقامة اسواق التجارة والانفاق على الضيوف وبناء مقابر الصدقة ومؤسسات الصناعة والاسبلة والعبارات وتزويج المحتاجين والمحتاجات........الخ*

ظلت مؤسسة الاوقاف احدى اهم مؤسسات "الامة" التي رجحت كفتها في مواجهة "الدولة" واعانتها على صناعة الحضارة, قام اول ديوان للاوقاف - وكان مستقلا عن دواوين الدولة - في عهد هشام بن عبد الملك ظل هذا اليوان مؤسسة أهلية"مستقلة"عن الدواوين السلطانية....

في عصرنا الحديث تغير كل شيء.... وامتدت يد الدولة لتلغي استقلال الاوقاف, وضمها الى مؤسسات الدولة... ففي عهد محمد علي باشا فرضت الضرائب على اراضي الاوقاف ومؤسساتها بعد ان كانت معفاة منها , واستولت" الدولة" على اراضي الاوقاف الخيرية في عام 1812 التي كانت مساحتها تزيد عن خمس مساحة الاراضي المصرية, وعندما احتج العلماء على ذلك , أعلن محمد علي قراره احلال الدولة محل الامة ومؤسساتها الاهلية في ادارة الاوقاف ....


امتد شيء من الفساد الى الاوقاف , اصبحت ادارتها ضمن هيمنة "الدولة", انتفى دور "الشعب" او" الامة "مع الايام,بدلا من ان يصنع الشعب حضارته باستقلالية تامة عن الدولة او الحاكم, اصبح تابعا سلبيا ينتظر ما تقدمه الحكومة او الدولة, ما نحتاجه الآن اعادة الاوقاف الى ادارة الشعب وتحريرها من هيمنة الدولة....حينها قد يشعر الشعب بوجوده.....


بامكانك ان توقف القليل مما تملك , على من يحيطك من معارفك.... مشروع نور لهذا الصيف ان يوقف مكتبته الصغيرة على بعض من يعرف, لهم الانتفاع بالقراءة ولربه الملكية التامة لكتبه....

أتمنى ان تعصف ذهنك لبعض المشاريع الوقفية الصغيرة ,التي قد نطبقها جميعا في محيط معارفنا..
انتظر مقترحك في تعليقك...


دمتم بخير



----------------------------------------------------


* د.محمد عمارة...

"الافكار ايضا من وحي محمد عمارة".....

تعريف الوقف شرعا: حبس الأصل وتسييل المنفعة...

"ان تتنازل عن ملكيتك لشيء, على ان تكون منفعته لنا جميعا"...







وقف (1)

اتجهت انا ووالدتي صباحا لدار"تراحم" فور ان راتنا خالتي , ابتسمت وبادرتنا بصوت عال:
-والله مش ناسية...
-يعني هتعقلي وترجعي لبيتك...
-اللي بنا عشرة عمر , انا بفك عن نفسي شوية...والله حبيت الناس هنا كلهم اخواتي.. انا قولت اكسب صاحب الدار ثواب

هذه عادة خالتي, تلجا لدار" تراحم" كل فترة تقول انها تكسر حالة الملل والرتابة "تراحم" هي احدى مؤسسات "النساء الغاضبات" , ففي مجتمعي اوقفنا بعض الدور للنساء اللتي هجرن او طلقن او ابتعدن عن اسرهن, محاولة للتخفيف عنهن واملا في اصلاح الامور , خالتي تستفيد من هذه الفرصة لتتحرر من بعض التزاماتها وواجباتها الاسرية, لتعود لبيتها من جديد اكثر نضارة وحياة ...

الليلة عرس اختي علينا ان ننجز الكثير...بعد ان ودعنا خالتي اتجهنا "لمؤسسة زواج" اظهرت والدتي وثيقة زواج اختي وموعد زفافها , لنستلم فورا حليا ذهبية زينة لاختي في عرسها , ففي مجتمعي نوقف الكثير من الذهب والحلي على متوسطي الدخل ممن لا يستطيعون شراءها... عندما شكرت والدتي الموظف المسؤول اجابها بانكسار تام:
-عسى ان يقبل منا....

خرجنا من مؤسسة زواج الى" دار اطايب" فور ان رآنا الموظف المسؤول بادرنا بابتسامة وهنأنا لزواج اختي, تأكد من عنوان منزلنا, ثم سألنا عن وقت التسليم الذي نفضله للطعام والمشروبات , ففي مجتمعي اوقفنا"مؤسسسة المناسبات" لتقوم بتجهيز الولائم في الافراح والاتراح , كما تعير القدور والاواني وايضا تنصب الموائد الرمضانية للمحتاجين وعابري السبيل...

فور ان خرجنا من دار "اطايب" لمحت سيارة عمي, صحت باعلى صوتي فتوقف, بادر بنقل اكياس الفواكه الى المقعد لخلفي ليتسع مكان لوالدتي, بينما كنت اساعده في نقل اكياسه , نظر الي مبتسما:
-هذه ميزة ان تكون عابر سبيل.....
ففي مجتمعي , اذا سافرت لاي مدينة اخرى غير مدينتك وليست في محيطها, لك ان تستفيد من بساتينها الموقوفة على عابري السبيل . كل ما عليك ان تظهر بطاقتك الشخصية او ما يثبت محل اقامتك, لتتمتع بضيافة خمس نجوم بفنادق ومطاعم تابعة لمؤسسات ضيافة...هكذا نسميها, مؤسسات كلها موقوفة على ضيافة عابري السبيل , بامكانك ان تحجز باي فندق موقوف على الضيافة باستخدام حسابك الوقفي الالكتروني....في مجتمعي يكون سفرك متعة مجانية متصلة....

في عودتنا للمنزل قابلنا جارتنا التي كانت عائدة من "نقطة الحليب" حيث رزقت بمولود منذ اسابيع, اوقفنا ما سميناه نقطة الحليب على الامهات اللاتي يرضعن اولادهن , يقدم لهن كافة احتياجات الرضاعة بداية من الحليب والاعشاب الطبيعية , حتى الاستشارات الطبية والرضاعة الصناعية....


بدات مراسم العرس بمنتهى البساطة والسلاسة ,الطعام في وقته تزينت اختي بحليها , وصل بعض ضيوفنا متاخرين لسفرهم انقضت الليلة دون ان نهتم لاي شيء, نشعر بالامتنان لكل من يحيطنا ...البركة تغمرنا....

اشعر بالاسى تجاه صديقي , ففي وطنه مازالت الحكومة او الدولة تدير كل شيء, مازالوا يتعامولن بالجنيه والقرش بفردية وانانية مطلقة, يروي لنا جدي اننا كنا كذلك , حكومتنا كانت تسير الأمور وفق خططها الخاصة بينما يتكيف الشعب وفق واقعه وما يعيشه, ما قدمته الدولة لشعبها كان عدما , اخبرني جدي ان التعليم الحكومي كان شكليا فقط , ادعت الحكومة انها قدمت تعليما مجانية , بينما اقتصر حقيقة على اداء الاختبارات في المدارس او الجامعات الحكومية, بينما يتعلم الطلبة تعليما خصوصيا - هكذا كانو يسمونه- بمبالغ طائلة...المواصلات كان منها ما ينتمي للقطاع العام واخرى خاصة تفوقها رفاهية وانسانية.. الوظيفة الحكومية كانت عبئا على اي مواطن لذا كان العمل الخاص مصدر الدخل الرئيسي ...كل شيء كان موزايا تماما لما هو حكومي لكن بفردية وانانية مطلقة...

ما حدث ان شعب وطني لجا لما يسمى" الوقف " البداية كانت ببناء المساجد ثم دور الايتام ومستشفيات خيرية من الشعب لكن تحت ادارة الدولة.... تعطلت فائدتها وامتد شيء من الفساد اليها كونها تحت ادارة الدولة , استطعنا مع الايام ان نجعلها تحت ادارتنا نحن..... نحن نتصرف بادارتها كيف نشاء , استطعنا ان نقر قانونا يحرر اوقافنا من ادارة الدولة... لم نعد نسمع عن" وزارة الاوقاف" او وزيرها شيئا انتهى دورهم... يخبرني جدي ان وزارة مثل التضامن الاجتماعي- هكذا كانوا يسمونها- سقطت ايضا . ظهرت قيمة الوقف وفاعليته بسرعة البرق بعد تحريره من هيمنة الدولة , تكاتف شعب وطني بصورة جماعية, كل يقدم مالديه بثقة مطلقة .. اتسعت مجالات الاوقاف لتشمل كل شيء بداية من المساجد الى المدارس والمستشفيات حتى رصف الطرق والضيافة والزواج...

لم تجد حكومتنا ما تقدمه , اقتصرت على العلاقات الخارجية فقط, ادرنا امورنا بثقة ونظافة يد....نعيش ببركة تغمرنا جميعا..
اتمنى ان يحقق صديقي ذلك بوطنه....


التدوينة القادمة وقف(2)

تاصيل الكلام عن الوقف في الاسلام- هذا العنوان دعابة-

( :

اعتذر عن الاطالة.....

٢٠‏/٠٦‏/٢٠٠٩

أقدرها

كل يما يفعله صديقي امام اي مجموعة هو لفت الانتباه , يستنفذ كل طريقة ليحصل على انتباههم, احيانا بصوت عال لا تدرك سببا له , احيانا اخرى بضحكات مفتعلة او ردود افعال صبيانية, تعليقه على حديثهم يشعرك انه من كوكب اخر...كل تعليقاته على حوارهم لا علاقة لها بما يقولون...المهم ان يعلم الجميع بوجوده.



فور ان يحصل على مراده وتتجه الاعين له..ويشعر الجميع بوجوده الطاغي, يبدا صديقي بسرد انجازاته العظيمة...ابسط شؤون حياته تصبح عملا اسطوريا عظيما امامهم, هو يسرد عليهم تفاصيل كل حدث وكل كلمة قالها ,كلمة" انا" لا تنتهي من حديثه ,حياته مجموعة من الانجازات و الاهداف المحققة..استجابتهم الطبيعية لحديثه هو الاطراء عليه وعلى ملكاته وتربيته..البعض يتصرف بعفوية مصفقا له, او مبالغا في الثناء..كم تلمع عيناه باطرائهم...



اذا فاتك اطراؤهم عليه فلن يفوتك سرده لاطرائهم عليك...هو لن يدع لك مجالا لتنطق ببنت شفه , كلمات مثل "كلهم قالوا " كلهم انبهروا" "كلهم التفتوا" لا تنتهي من حديثه, اياك ان تكتفي بالانصات لحديثه , هو لا يكترث لارهافك السمع ,عليك ان تبالغ في الثناء والتقدير..اذا تاخرت في اظهار تقديرك لما يقول ولما يفعل...ستجده يلح عليك باسئلة مثل "ماقولتليش رايك" "ساكت ليه"...



كل عمل او نشاط لصديقي يعتمد عليهم...اذا حصل على تقديرهم انجز المفروض وحقق المراد...كلمة واحدة منهم تجعله فوق السحاب وكلمة اخرى تقذفه لسابع ارض...استمراره في اي عمل يعتمد عليهم...كلمات مثل "نفسي اعرف رايهم"ياترى هيقولو ايه"لا نفارق لسانه.. تقديرهم له هو الدافع والهدف...



كل مايحتاجه صديقي هو تقديره لنفسه...عليه ان يلتفت وينتبه لما يفعل,ان يفكر قليلا في جودة افعاله ودوافعه ...ان تنبته كل ذرة في كيانه لما يفعل, ان يدرك بكل ما فيه ما يفعل, حتى اذا ما انجزه وقيمه "هو" وفق معاييره ومايرتضيه لنفسه, اصبح اكثر اتزانا وثقة ...تقديره لنفسه وتقييمه لافعاله يجعله اكثر ثباتا وقوة واستمرارية...ربما يسعد حينها باطرائهم لكنه لن يكون دافعا ابدا....

١٦‏/٠٤‏/٢٠٠٩

حياة

ربما تمسك حجرا وتتأمل لونه وتركيبه, ربما تعدد استخداماته أو تذكر أصله وتكوينه, حتى اذا مللته قذفته بقوة دون أن تلقي له بالا, هو ليس أكثر من جسم مصمت صلب لا يحمل أي روح أو وجدان, تستحضر فجأة قول رسولك"اني لأعلم حجرا في مكة كان يسلم علي"
تتصور كيف يأتي حجر بفعل "السلام", يجعلك ذلك تعايش تسبيح الحصى في يد محمد _عليه الصلاة والسلام-ثم كيف واصلت تسبيحها في يد ابي بكر ثم عمر , يأخذك الـتأمل, يعزلك عن كل همومك, يجعلك على تماس مع الحقيقة, تتذكر قول نبيك عن "جبل" ليس سوى كتلة صخرية مصمتة صلبة قاسية"هذا احد نحبه ويحبنا", جبل "يحبهم".....


ربما تتابعت صور الأخضر امام عينيك, اراض زراعية لا تنتهي , متشابهة متطابقة تماما, تسرح نظرك فتمل نفسك التكرار, تحاول جاهدا ان تتجاوز اللون والمادة, يقفز الى ذهنك" وما تسقط من ورقة الا يعلمها" تنعزل عن كل ما يحيطك وتتعلق" بورقة يعلمها" تتأمل حالها بين النمو والسقوط , تتخيل مداعبة النسيم لها, تصفو روحك بعلمه, تستحضر قوله"كل قد علم صلاته وتسبيحه" توقن ان ورقتك تصلي وتسبح في كل احوالها
يأسرك فعل الصلاة والتسبيح من ورقة , تسمو فترهف السمع لأنين جذع فارق نبيك-عليه الصلاة والسلام-


تتعجب من وحدة وغربة تتغمد قلبك وروحك في كون يسبح ويصلي, متناغم تماما معك, كيف خدعك الجماد واللون عن "روح" كون يتنفس ايمانا وعبادة.....


خصص وقتا يوميا لتأملك......
تأملك حياة..................


******************************************************

تحديث:
هذه الايات قد تشكل البداية:
"وله أسلم من في السماوات والأرض"
"ولله يسجد من في السماوات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال"
"والنجم والشجر يسجدان"
"سبح لله مافي
السماوات والأرض"
"ان من شيء الا يسبح بحمده"
"وماتكون في شأن وما تتلو منه من قران ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين"

"بعض المعرفة بالسيرة ومعجزات الرسول بتكثير الطعام اوالبركة قد تجعل مأكلك ومشربك شيئا اخر"
"بعض المعرفة عن خلق ربك وكونه وكائناته قد تشاكل فارقا"



٠٥‏/٠٤‏/٢٠٠٩

صفو

ربما تبدأ بارتعاشة رقيقة تسري على خده, يليها انكماش ذقنه لأعلى , تنقبض شفتاه بتقوس خفيف لأسفل, تكتم أنفاسه تماما , يعقد حاجبيه, تضطرب رؤيته , تتداخل الصور, تتسارع انفاسه تماما, يبادر برفع يديه الى مقلتيه, يسمح لنفسه ان تتمادى طالما كان بعيدا عنهم, يغسل قلبه, تصبح رؤيته نقية واضحة, تماما كما يرى عالمه بعد هطول المطر, جميلا نقيا طاهرا...
تخبت نفسه...تستكين روحه..يغمره هدوء ونور...يصفو ويواصل دربه......

٣٠‏/٠٣‏/٢٠٠٩

إيمان

وكأن حياتها كانت "لتلقاه" , كل ما مرت به بنت الشاطىء , وكل ما تجاوزته من مر الايام وكدرها, كان فقط "لتلقاه"..."حتى اخر العمر. لم يتخل عني ايماني باني ما سرت على دربي خطوة الا لكي القاه وما كان يمكن ان احيد عن الطريق اليه وقد عرفته في عالم المثل ومجالي الرؤى وفلك الارواح من قبل ان ابدا رحلة الحياة"


ايمانها بزوجها واستاذها الجامعي يفوق اي وصف, بعد رحيله اصبحت معلقة "على الجسر" تنتظر اللحاق به, كأن وجوده جوهر حياتها " كان يعطي الحياة , ويضفي عليها جمالا من شجاعته وحكمته وذكائه وفروسيته "حياتها معه كانت ايمانا تاما به "وهكذا كنت اجد لديه لكل معضلة حلا, ولكل سؤال جوابا, فأشعر بالرضا عن نفسي اذ اتجهت بي الى من احس كلما لقيته انني اولد من جديد, واحس كلما جلست اليه ان عالمي يرحب حتى لتضيق الدنيا عن ان تتسع له"


******************


ظلمة طه حسين "بإيمان" فتاته به اصبحت نورا,"كانت حياته شيئا ضئيلا نحيلا رقيقا لا يكاد يبلغ نفسه, كانت حياته حيرة متصلة...حتى اذا ما التقاها أضاء نور ايمانها به حياته "أخذت تثوب اليه ثقته بنفسه واخذ ينجلي عنه الشعور بالغربة والضيق بالوحدة والسأم من العزلة إن فتاته تلك قد جعلت شقاءه سعادة , وضيقه سعة , وبؤسه نعيما وظلمته نورا"


****************




"ما أبدلني الله خيرا منها ، وقد آمنت بى إذ كفر بى الناس ، وصدقتني أذ كذبني الناس ، وآستني بمالها أذ حرمني الناس "محمد- صلى الله عليه وسلم-


إيمانها به يجعل المستحيل عدما , يكشف له من نفسه ما خفي عليه, ايمانها قبس ينير كونه وعالمه, حياته جنة يقطف ثمارها ان هي فقط " آمنت به" ........





٢٥‏/٠٣‏/٢٠٠٩

خلق

وكأنها لا تنتهي.......
ادراكنا لما نمر به من تجارب لن ينتهي أبدا, فهمنا لما مررنا به لن يتجمد على صورة واحدة, وكأن ادراكنا يتغير فينا يوما بعد يوم, ما أيقنته ان حياتي ليست حركة في اتجاه واحد على خط مستقيم يعرف بدايته ونهايته, حياتي دائرة يتسع مداها يوما بعد يوم, ما مررت به واعتقدت نهايته, افاجأ بعد فترة انه لم يكن سوى البداية, لاشيء "يكتمل" مادمت حيا, اذا كان كذلك , فأنت "تخلق" معانيك يوما بعد يوم, لاتكتشفها فتعتادها , انت "تخلقها".... تحرر من "ثوابتك" , تخلص من نمطيتك وانطباعاتك, "أبدع" في خلق معانيك, انت خليفة "بديع" السماوات والارض, تجاربك لن تنتهي, ادراكك لن ينتهي, ثوابتك لن تؤمنك ابدا, نمطيتك لن تحميك, فكل ما حولك يتغير عليك ,تحرر منها ......


"البداية والنهاية انما تكونان في الخط المستقيم, ولا خطوط مستقيمة الا في اوهامنا , او في الوريقات التي نسطر فيها ما نتوهمه, أما في الحياة وفي الكون كله, فكل شيء دائري يعود الى ما منه ابتدأ ويتداخل مع ما به اتصل, فيلس ثمة بداية ولا نهاية على الحقيقة"
هيبا - عزازيل-يوسف زيدان

١٥‏/٠٣‏/٢٠٠٩

حواجز

حديث ايمن كان يتدفق بسلاسة , تعليقاته سهلة ممتعة , مازال يقبض يده اليمنى ثم يبسطها اثناء حديثه, ثمانية اعوام مرت على آخر لقاء جمعني به, كنا في الأول الاعدادي , عدنا من اجازتنا الصيفية لنفاجىء برحيله دون عودة, بعد ثمانية اعوام من رحيله , وبعد استقراري في وطني تجمعت خيوط من بعيد حاكت لقاء عفوي بسيط......

اتصلت به ولم يكن على علم بقربي منه, صوتي كان غريبا عليه, تعجبت من نطقه اسمي بعد رابع محاولة, أمازال يذكرني؟ كنت احادثه بفتور لكن بصوت مبتسم , لم اكن اهتم كثيرا لرؤيته لشخصه, اعجبتني الفكرة والتجربة أكثر, اتجهت اليه وانا افكر في شكله هيئته, اخر عهدي به طفل يصفف شعره على جنب من اليمين لليسار, يفقد تركيزه معك بسرعة, كيف سيعرفني وأعرفه؟ سالته صراحة:.

-هتعرفني؟ ولا أقولك انا لابس ايه؟
-عيب عليك...أكيد هاعرفك...
-طيب انا في طلعت حرب...حابب اقابلك...
-نص ساعة وأكون عندك.....

في النصف ساعة اخذت اتذكر الكثير بيننا , أيمن كان عاطفيا تماما, يسامحهم لأبسط الأسباب ,لاينتصر لنفسه ابدا,دائما ما يحسن الظن في غيره, هو يعتقد ان البشر جميعا ملائكة , وأنه لسوء الحظ تحدث هفوات بينهم , تعكر صفو علاقاتهم , صديقي يوسف وأنا كنا نكره له ذلك, موقع أيمن في لعب الكرة حارس مرمى , لا لأنه يبرع فيه , لكن لأنه يرتضي دائما هذا الدور ,خلال اللعب ينصب غضبنا على أيمن , بداية من التجريح للشتائم للتشابك بالأيدي, يأتي دوري انا ويوسف بعد اللعب لنعرفه ما عليه ان يقول , كيف يتصرف وكيف يرد الاساءة , هو كان يعتقد دائما وأبدا أنهم "ميقصدوش" .... بعد فترة اعتقدت انا ويوسف ان أيمن يجاملنا بجلسته معنا, لا يستطيع ان يرفض لنا طلبا حتى لو كان لقاؤنا توبيخا له, هو لن يتغير.......

عفوية الطفولة غمرت نفسي بدفء رهيب , خجلت حينها من مشارعي اتجاهه الان ,كنت في العام الثالث لدراستي الجامعية ,بين الاول الاعدادي والسنة الجامعية الثالثة الكثير , كنت على يقين انه اصبح انسانا اخر , كما اصبحت انا كذلك-هذا ما اعتقدته حينها- أنا لا اعرف من سأقابل تحديدا, اعرف اسمه وبعض من طفولته فقط......

انقضت النصف ساعة. فور ان وقع نظره علي صاح باسمي عاليا, كان مختلفا تماما , اكتسب فتحة قميص مزقت براءة الطفولة تماما, شعره اصبح كثيفا يتموج بحرية وجمال , جسمه رشيق لم يبقى فيه خلية دهن زائدة_أعلمني لاحقا انه يعمل "مودل"- ضمني بشدة لأكثر من مرة, كلما اعتقدت نهاية سلامي به أجده يضمني من جديد, أيقنت انه مازال عاطفيا كما كان, ربما قضينا ساعتين أو أكثر نتحدث عن ذكرياتنا دون أن تنتهي , يبدأ أحدنا قائلا:
-فاكر.......
يجيب الاخر بضحك لا ينتهي....


أثناء حديثه عن طفولتنا وأيامنا معا كانت تعليقاتي وردود افعالي انسيابية تماما, عفوية بسيطة من القلب,فور ان حادثني عن حياته بنفس عفويته وبساطته وجدتني اتحفظ كثيرا, ردود افعالي لم تكن اكثر من كلام منمق مختار بعناية, جملي كانت قصيرة متقطعة تاتي بعد لحظة تفكير, لكن حديثه هو مازال يسري دون انقطاع, أخذت اتعامل معه بحرص غريب, كلام مقتضب للغاية, حديث بسيط وابتسامة دافئة, دعوة مبيت منه لي رفضتها تماما, تعجب كثيرا, لكن اصررت على رفضي , كنت قد لاحظت احتفاظه ببسط يديه وقبضها, أخبرته بذلك مبتسما , رد علي كالاتي:

-وانت لسه بتتكلم بسرعة...بس كلامك بيقطع فجأة؟....

أثناء عودتي لمنزلي, كنت اتساءل , لماذا اضع كل هذه الحواجز؟لماذا لا اتصرف بعفوية وانسيابية تماما ؟ ربما اصبحت اؤمن بالفراق يقينا , لاداعي اذا للتكشف اكثر....ايمن في حديثه عن حياته لم يكن يهتم لراي او موقفي, هو فقط يشاركني بعض منه , لماذا لا اقبل ذلك ببساطة, اتمنى ان اتعامل معهم بلا حواجز.......






٠٧‏/٠٣‏/٢٠٠٩

أشياء

أجمل ما أيقنته, ان كل ما يحيط بي, بداية من قلمي وورقتي حتى اصدقائي ومعارفي , ليست سوى أشياء, لا تكتسب قيمة لذاتها, انما امنحها أنا ميزتها ومعناها, أكسبها وجودها أو أصيرها عدما, اذا كان كذلك.....فأنت جوهر كل شيء وقيمته, منك وحدك يكتسب ما يحيطك معناه , أنت وجود متكامل بذاتك, أنت وحدك المعنى والحقيقة......

"ادركت ان بقية الاشياء مثل بقية الأشياء, لا يمتاز منها الا ما نميزه نحن بما نكسوه به من وهم وظن واعتقاد "

هيبا - عزازيل- يوسف زيدان






٢٤‏/٠٢‏/٢٠٠٩

كما البحر

أجمل مافيه انه كمالبحر..لايفلت يداك ابدا...

لو وقفت على الشاطىء وقذفت كرتك الى امواجه,فستطفو بخفة ورشاقة ,تحملها قطراته بسلاسة ورقة,مهما شرقت أو غربت كرتك,تجد من تحتها قطرة تحملها باتجاه الشاطىء, بعد فترة وجيزة تجد كرتك قد لامست أقدامك, دون ان تشعر انت بحركتها اتجاهك, قطرات البحر ما افلتت كرتك, احاطتها بعناية حتى استقرت آمنة بين أقدامك....


لماذا نفلت ايادي من نحب اذا اختلفوا عنا؟؟لماذا لانحملهم للشاطىء,اجمل ماسمعه نور من احدهم:

-رجاء لا تفلت يدي....

كن معهم في كل احوالهم واتجاهاتهم حتى توصلهم للشاطىء....رجاء لاتفلت ايديهم...كن كما البحر......



١٣‏/٠٢‏/٢٠٠٩

مقلديات:كن حقيقة...

تخيل انك اصطحبت طفلك لحديقة الحيوان,بعد قطع التذاكر وفور دخولكما من البوابة,يشاهد طفلك "صورة" اسد ضخم .يركض طفلك مسرعا الى مجسم الاسد ويمزقه ضربا, تحاول انت بدورك ان تعرف طفلك على اسد حقيقي, فتاخذه الى قفص الاسود,تستقبلكم بدورها بزئير ترتعد له فرائص طفلك,كلما اقتربتما من القفص, تعلق هو بكلتا يديه الى رجلك,راجيا منك التوقف,طالبا منك ان تعودا الى "الصورة"او "المجسم" ويكفيه ما سمعه من "حقيقة الاسد"*.......


كل مايراه نور او يصدر عنه او يملكه يقع بين الحقيقة او الصورة,فجسده ليس سوى مجموعة من الخلايا والانظمة العضوية المعقدة,تترابط مع بعضها بدقة وقدرة مبدعة,تسمح له بان يتحرك كيف شاء وان ينطق بما يريد ,هكذا يرى" صورة" جسده....
او ربما كان جسده هيكلا تسكنه الروح , جسد تسخر فيه كل خلية وكل عضو لتحقيق خلافة الاله على ارضه,هذه الخلايا والاعضاء ليست سوى "شهود" ستنطق يوما وتخبر عن كل همسة ولمسة ولفتة, شهود تراقب ذلك الخليفة كيف صنع وبنى وعمر وتعلم, كيف سكنت روحه ذلك الجسد,وهل وفى عقد خلافته لألهه ام لا؟؟


الايمان يابى الا ان يكون حقيقة,ان اتسع افقك قليلا,فستجد ان الصلاة بكل حركاتها وسكناتها وتلاوتها وتسبيحها تقع بين الصورة او الحقيقة,
كذلك العمل وكل ما تعانيه من كبد يقع بين الصورة او الحقيقة,المال والعلم حتى اسرتك واصدقاؤك وحديثك اليومي يقع بين الصورة والحقيقة, الحقيقة تتجاوز كل ما هو محسوس ومرئي لتذكرك بغاية وجودك,تربطك بكل ما يحقق خلافتك لربك.....ليكون كل دافع وكل همة وكل سكنة وحركة محققا لخلافتك موصلا لربك....


نور ان استحكمت حياته الصور,من صورة الصلاة لصورة العمل او المال والجسد اصبح صورة هو الاخر,تماما كصورة الاسد, تمزقه اقل هائمة واصغر حدث, تصور ان تتكاثر" الصور" لتصبح امتنا كلها"صورة" يتلاعب بها اطفال....
لكن ان عايش نور الحقائق كما ينبغي, وتذكر دائما غاية وجوده, وتغاضى عن فتنة المرئي والمحسوس ,وتجاوز بساطة وسطحية افعاله,اصبح كيانه كله حقيقة,اصبح خليفة لألهه... تصور ان تصبح امة كلها "حقيقة"......

زئير الحقيقة وعمقها يجعله كما الطفل, يركن للصور اكثر.....



الهي حققني وحقق ايماني....


------------------------------------------------------------------------


*المثال لابراهيم مقلد....لذا كان العنوان مقلديات....

٠٣‏/٠٢‏/٢٠٠٩

أحمر كالجمر

صفحاته البيضاء مشرعة لاي انسان...اذا اقتربت منه كما يرتضي لك اجاز لقلمك ان يخط ما يريد... لم يكن يخشى كثيرا ان يكون رسمك قبيحا او سيئا...يكفي ان تخط اناملك شيئا تثبت به مرورك... لم يكن يهتم كثيرا بامر كتابه وصفحاته الناصعة ...يعلم ان الايام ستملؤها قهرا بكل ما تحمله من تناقضات.... صفحاته ما بين اهازيج فرح وانين صمت..واخرى من نور تلتهمها قطع من ظلام....بعض صفحاته من لون الورد وعبق الياسمين...بعضها من سواد الفحم تتنقل بين دفتي كتابه...الى الان مازال يامن لهم احيانا...ما مر به جعله يتخلى عن بعض من براءة وطفولة ....اصبح يحافظ اكثر على صفحاته البيضاء...يذكر تفاصيل فصل احمر بكتابه.... فصل احمر كالجمر...يذكر كيف آمن واستكان ...ثم عاد من يومها بصفحة حمراء....كلما بترها نبتت فيه الف اخرى.... تابي ان تعود بيضاء او ان يصيرها للون اخر.... فصل احمر تعلم مع الايام كيف يتجاهل وجوده.... يتغاضى عن طلاسمه وروابطه...يخفيه عنهم ....لكنه يعلم وجوده....

٢٢‏/٠١‏/٢٠٠٩

أيام

خمسة اعوام مضت ومازال يصلي في نفس المكان,الاستاذ عصام مازال يصلي كل جمعة في الصف الثاني الى اليسار خلف النافذة الثالثة,نور كان يعتقد ان خمسة اعوام ستترك اثرا واضحا يراه ويستشعره على حياة من حوله,ليفاجئ وكأنه غادر الى وطنه منذ اسبوع فقط , ما جد على أ.استاذ عصام هو طفل في الرابعة يتكأ على فخذه الايسر ويقلده في كل حركاته....


الاستاذ سيد ظلام مازال محافظا على مكانه ايضا,في منتصف الصف الاول خلف الامام مباشرة,نور قبل خمسة أعوام كان يتمنى ان يؤذن أ.سيد ظلام للجمعة...أذانه يزرع في النفس خبوتا وخشية لا تصفها الكلمات,صوته كان نبع روحاني لاينضب,ينهل نور منه بمجرد استرجاع صوته على مدى اسبوع كامل,نور مهما اتجه مبكرا وجده يسبقه وفي نفس مكانه المعتاد,خمسة اعوام ومازال أ.سيد ظلام يطيل دعاءه وأذكاره بعد الصلاة,حتى اذا ما تمكن من القبلة وقف وصلى,يتقدم قدر استطاعته لتستقر قدماه على بداية امتداد القبلة,نور الى الان مازال يستمتع بمشاهدة صلاة أ.سيد ظلام....

نور مازال يحافظ على "مسافة خاصة" لنفسه...يعلم وجودهم من حوله ,لكنه يصر على ان لاتلتقي الأعين,يسمح لنفسه ولهم بمجال خاص معه هو فقط......هو وحده جل شانه يسمع اقل همهمة...يعلم كل ما يختلج صدورهم...التقاء الاعين يعكر احيانا ذاك الصفو....

إمام المسجد بعد خمسة اعوام اصبح اكثر ثباتا وخبرة, قبل خمسة اعوام كان يتلعثم كثيرا,مازال يقرا من ورقة صغيرة يبعدها عنه بامتداد يده,مازال اعتقاد نور انه يعاني من طول نظر.....قبل خمسة اعوام كان يقفز سهوا عن بعض سطور خطبته غير مهتما بالمعنى...الآن اصبح اكثر تمكنا واصبحت تلاوته اكثر جمالا....

نور اكتشف بالامس ان والده توقف عن التدخين منذ عام مضى, كم كان يضجر من رائحة دخانه,لكنه مع ذلك لم يلحظ توقف والده عن التدخين....نور يعتقد ان الفجوة تتسع والاهتمام اصبح رمزيا متكلفا.....

الفارق الوحيد منذ خمسة اعوام ان نور فقد مكانه في الصف الاول الى اليمين من أ.سيد ظلام,لم يعد يتنافس على التبكير للجمعة...لم يعد يهتم بقراءة الكهف ونصف البقرة,منذ خمسة اعوام كان يشارك والدته سورة البقرة,لكل منهما نصف,اصبح الان يكتفي باي مكان يتاح له...خمسة اعوام تغيرت فيها كثير من ثوابته وقيمه...ويقينا ايمانه...

أيام تطوى بنفس الصور والمشاهد...لنفوس تتغير وثوابت تتبدل.....

٠٣‏/٠١‏/٢٠٠٩

حائط رابع

بناء خشبة المسرح يتكون من ثلاثة حوائط , تحمل من الديكور والألوان ما يجعل الحضور والممثل يعيشان الحدث والشخصية, الممثل الناجح هو القادر على تصور وجود "حائط رابع" يعزله عن همسات الحضور,حائط شفاف يسمح لهم بأن يسمعوا صوته ويتابعوا حركته, لكن يبقيه هو "في معزل" عن ردود أفعالهم, ليعيش الشخصية بكل انفعالاتها وسكناتها....
البعض يعتقد ان حياة البشر مسرحية كبرى, يعيش كل منا في شخصية خاصة به لها ملامحها وطباعها,بعضنا تسكنه الأحلام لشخصية يتمنى أن يعيشها, فيرسم اطارها ويحدد لونها,يتصور ردود افعالها وانفعالاتها,حتى اذا ما تملكته الشخصية تماما ,أخذ يقارن حاله بحالها, ينظر ما ينقصه ليتقمصها,فيضفي كثيرا على نفسه وذاته,يبدأ بتغيير بعض عاداته ومعاملاته, يضع أهدافا ويؤلف سيناريو خاص بشخصيته, لكنه فور أن يعامل البشر ويحتك بهم,يكتشف أنها ليست أكثر من أحلام تسكنه.....
جمهور عرضه من عائلة واصدقاء وحتى احداث تتغير عليه لن يسمحوا بميلاد شخصيته بهذه السهولة, نظرة مختلفة من صديق لتغير حاله....أو ردة فعل باندهاش وتعجب لما صاره تنسيه ما عاشه من احلام..... حدث جلل بحياته أو تغير سريع لما اعتاده قد تتطاير به أماله وطموحاته....بعض من سلبية الحضور قد تجد طريقا لنفسه.....شكوى مؤلمة من صديق او فضفضة ملحة من والدته قد تنثر رماد شخصيته في الهواء....مايسمعه من انجازاتهم واهدافهم تجعله يجذب لحياتهم وينسى مارسمه لذاته....احيانا يعايش تجربة سلبية قاسية لاحدهم يتقمص كل مافيها من احداث....فيلتهي عن "دوره" الجديد.... تتخبط اراؤه وتعجز كلماته ثم يعود لسابق عهده يجذبه كل شيء.... يشتته كل امر وبلا احلام...
كل ما يحتاجه هو "حائط رابع" شفاف...يحيط به من كل اتجاه... حائط يسمح له بان يسمعهم ويسمعوه...يدرك كل امورهم واحوالهم لكن دون ان يهتم بها او يعيشها معهم ....يعزل كيانه وذاته عنهم جميعا لكنه يخالطهم .....يعيش احلامهم معهم لكن دون ان ينجذب لحياتهم .... يرهف السمع لانات احبابه لكنه لا يعيشها ...يستمتع بانجازاتهم لكنها لاتشتته عن اهدافه..... تغير مفاجىء لاحداث حياته تعني ان يعيد ترتيب اوراقه.....قد يقدم فصلا من حياته على فصل اخر ...لكنه لا يمزق الاثنين...
حائط رابع يجعله تحت السمع والنظر...لكن بمعايشة وتقمص اكبر لاحلامه واهدافه..... بمعزل عن كل ما يشتته وبتواصل مع كل من يحب